أبرز عبد اللطيق برحو، نائب برلماني ومختص في المالية العمومية، أن الجميع متيقن الآن بأن هذه الحكومة أوصلت المغرب لوضع لا يحسد عليه على المستوى الاقتصادي والمالي والتدبيري، وفي عهدها تفشى الفساد والرشوة بشكل غير مسبوق، وتدنت مستويات المغرب على جميع المستويات. وذهب برحو إلى التأكيد على أن المنطق يفترض أولا أن يقوم عباس الفاسي بتقديم الحصيلة الكاملة لعمل الحكومة أمام البرلمان، وبالمقارنة مع البرنامج الحكومي، ولا يمكن هنا الحديث عن تقديم لحصيلة وهمية لعمل غير واضح ودون مؤشرات لفعالية الإنجاز ولكفاءة التدبير، وإذا عدنا، يضيف الباحث الاقتصادي، لما تعهدت الحكومة به من خلال برنامجها المقدم أمام البرلمان سنة 2007، نجد فارقا شاسعا بين الوثيقتين، وتساءل برحو «فعن أية منجزات ستتحدث الحكومة والمؤشر الرئيسي لعملها يبين الكارثة التي يوجد عليها المغرب اقتصاديا وماليا، وعن أية استراتيجية ستتحدث إذا كانت كحكومة تفتقد إلى الحد الأدنى من الانسجام ولا تستطيع حتى تدبير الشأن اليومي للمواطنين، فأحرى أن تتمكن من بلورة رؤية استراتيجية لتنمية البلد». أسئلة منجزات الحكومة في ملفات التنمية الاقتصادية ومؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية ومدى صدقية ما دونته في موقع «مكاسب» ضمن محاور هذا الحوار، وإليكم تفاصيله: ◆ عمدت الحكومة إلى إنشاء موقع الكتروني تحت عنوان «مكاسب»، الهدف منها إبراز منجزات الحكومة، وذلك قبيل استحقاقات 25 نونبر 2011، وتقوم الحكومة من خلال التعبئة للموقع بالدعاية؛ في رأيكم ما هو المراد سياسيا من إحداث هذا الموقع، وفي أي نطاق يمكن إدراجه لاسيما أنه يكتفي بذكر المنجزات دون الحديث عن إخفاقات الحكومة؟ ◆◆ الحكومة تحاول منذ مدة إقناع الرأي العام بأنها فعلا تشتغل وتحقق مجموعة من المنجزات والمكتسبات للشعب المغربي، ربما لعلمها بأن المواطنين يعلمون علم اليقين بأنها لم تحقق شيئا يذكر خلال أربع سنوات، بل إن الجميع متيقن الآن بأن هذه الحكومة أوصلت المغرب لوضع لا يحسد عليه على المستوى الاقتصادي والمالي والتدبيري، وفي عهدها تفشى الفساد والرشوة بشكل غير مسبوق وتدنت مستويات المغرب على جميع المستويات. إن هذا الموقع الالكتروني الذي أطلت علينا به هذه الحكومة بشكل مفاجئ يوحي بعدة معطيات تتعلق بطريقة اشتغالها وبمدى قدرتها على تدبير الشأن العام الوطني، فهي لم تسوق له منذ مدة كافية، ولم تعتمد فيه على مؤشرات واضحة تنسجم مع برامجها ومع ما تعهدت به في التصريح الحكومي. فهي عمدت إلى تجميع مجموعة من الأرقام والمعلومات دون خيط ناظم بينها ودون وضعها في سياق البرنامج الحكومي الذي تم تقديمه أمام البرلمان عند تنصيبها، وبالتالي هي تستطيع أن تتحدث عن أي شيء دون مؤشرات واقعية ودون أي سياق واضح، وكأنها تريد التمويه على الرأي العام ليعتقد بأنها قدمت حصيلة عملها قبل نهاية ولايتها التي انتهت عمليا بالمصادقة على الدستور الجديد. إن المنطق يفترض أولا أن يقوم عباس الفاسي بتقديم الحصيلة الكاملة لعمل الحكومة أمام البرلمان وبالمقارنة مع البرنامج الحكومي، ولا يمكن هنا الحديث عن تقديم لحصيلة وهمية لعمل غير واضح ودون مؤشرات لفعالية الإنجاز ولكفاءة التدبير. وإذا عدنا لما تعهدت الحكومة به من خلال برنامجها المقدم أمام البرلمان سنة 2007، نجد فارقا شاسعا بين الوثيقتين، أما إذا استحضرنا واقع المغرب اليوم فإننا سنتيه أمام معطيات لا تمت للواقع المغربي بأية صلة، بالنظر للوضع الكارثي الذي يعاني منه البلد على جميع المستويات من اقتصاد إلى مالية عمومية إلى السكن والقطاعات الاجتماعية، مرورا بالتعليم والصحة، ووصولا إلى واقع القضاء المر. ◆ تعتبر الحكومة أنه من المكاسب الإستراتيجية التي حققتها الحكومة الحالية تدبير تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المغربي. فيمكن قراءة الأرقام التي تحاجج بها الحكومة تجربتها، لاسيما تحقيقها لنمو اقتصادي 4,2 خلال الفترة 2007-2010 وحديثها عن مكاسب الاستراتيجيات القطاعية الكبرى على النمو؟ ◆◆ عن أية استراتيجية تتحدث الحكومة؟إن البرنامج الحكومي نفسه لم يحدد أية استراتيجية تنموية حتى نراقب مدى تحقيقها، والحكومة لم تعتمد أية مقاربة شمولية واستراتيجية في تدبيرها للشأن العام، وحاولت تدبير سنة بسنة على مستوى الاقتصاد والمالية العمومية مما أفقد برنامجها أية معالم ولم يعد لها ما تقدمه ولا ما تدافع عنه. وعلى مستوى القطاعات الاجتماعية فواقع المغرب يغني عن كل كلام، وما تعهدت الحكومة بإنجازه بقي حبرا على ورق، وبالمقابل ابتدعت الحكومة خلال سنتي 2009 و2010 برامج متناقضة مع بعضها البعض وحاولت تنفيذها في آجال مختلفة ومتباينة مما جعلها غير قادرة على تدبير سياساتها العمومية فأحرى أن تكون قادرة على بلورة استراتيجية تنموية واضحة. إن الحكومة قامت خلال السنوات الماضية بتجاهل ما تعهدت به على مختلف المستويات الكبرى ولجأت إلى برامج قطاعية غير منسجمة وغير متناسقة عجزت معها على مسايرة ما اعتمدته من برامج. فقد تخلت عن برنامج التنمية القروية وانخرطت في مخطط المغرب الأخضر الذي يمتد على مدى عشر سنوات، وذلك دون أن تكون لها أية رؤية بخصوص طرق تمويله بعد السنة الثالثة، واعتمدت برامج في السياحة والتصدير والصناعة التقليدية والمغرب الرقمي... في آجال متباينة ودون أية روابط بينها مما يجل سياقاتها متناقضة. إن هذه الحكومة منذ تشكيلها تبين عجزها، وعند تقديمها لبرنامجها الحكومي أمام البرلمان تأكد غياب أية رؤية استراتيجية لديها، ولم تتحدث أصلا عن التنمية المندمجة وعن أسس التدبير الاستراتيجي. أما على مستوى النمو، فالقول أنها رفعت نسبته فهذا من العبث ومن الضحك على الذقون، فقد تعهدت برفع نسبة النمو إلى ما فوق 6%، وهي أصلا نسبة غير كافية للاقتصاديات الناشئة مثل المغرب، لكن عوض ذلك نجد أن النسب المحققة لا تتجاوز 4% رغم أن المواسم الفلاحية كانت جيدة جدا، فهذه النسب من النمو غير كافية ولا تحقق أي شيء للمغرب، بل تجعل ماليته العمومية في مأزق على اعتبار أن نسبة العجز الحقيقية تتجاوز حاليا 7% ونسب التضخم تقارب 4%، وعجز الميزان التجاري تجاوز الأوضاع التي عرفها المغرب في التسعينات، والدين العام ارتفع لمستويات قياسية تنذر بتكرار وضعية المغرب سنوات التقويم الهيكلي. فعن أية منجزات ستتحدث الحكومة والمؤشر الرئيسي لعملها يبين الكارثة التي يوجد عليها المغرب اقتصاديا وماليا، وعن أية استراتيجية ستتحدث إذا كانت كحكومة تفتقد إلى الحد الأدنى من الانسجام ولا تستطيع حتى تدبير الشأن اليومي للمواطنين فأحرى أن تتمكن من بلورة رؤية استراتيجية لتنمية البلد. ◆ كيف يمكن قراءة حصيلة الحكومة الحالية من حيث محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة في ظل اعتبارها محاربة الفساد أحد أهم مكاسب الحكومة الحالية؟ ◆◆ لما أكد البرنامج الحكومي على هذا المحور استبشرنا خيرا رغم عدم ثقتنا في هذه الحكومة، وكان أملنا في أن تقدم الحكومة برنامجا واضحا للحكامة ولمحاربة الفساد المستشري في جل الإدارات العمومية والقطاعات الاقتصادية والمالية، إلا أننا فوجئنا بالحكومة تركز فقط على تفعيل دور الهيأة الوطنية للوقاية من الرشوة وتتعهد بإجراء حوار وطني حول الظاهرة، فلا هي حدت من الفساد والرشوة، ولا هي بادرت لإجراء الحوار الوطني الذي وعدت به. ولم تلق بالا للوضعية التي يوجد فيها المغرب من حيث استشراء الفساد وتفشي الرشوة بشكل غير مسبوق في معظم القطاعات الحيوية (الإدارة العمومية، العدل، الصحة، المالية، التعليم العالي...)، والتقارير الدولية التي تصدر سنويا تؤكد هذا الوضع، ويتأخر ترتيب المغرب في سلم المؤشرات العالمية، والواقع أن وضع المغرب لا يحتاج للتدليل عليه بهذه التقارير، فالجميع يقر بتفشي الظاهرة وبعجز الحكومة عن مواجهة الفساد ووقف نزيفه على جميع المستويات. إن المواطن يعاني من تفشي الفساد والرشوة على مختلف المستويات، ويلامس العجز البين للحكومة لمواجهته أو حتى وقف نزيفه، ولم تصدر أية إجراءات فعلية تعالج الظاهرة ولا تملك أصلا أي تصور واضح لمحاربتها. بل إن التقارير الموجودة والتي تقف على فضائح الفساد والرشوة وسوء التسيير والاختلاسات بالملايير بقيت حبيسة الرفوف ولم تكلف الحكومة نفسها عناء قراءتها وتفعيل مساطر المتابعة القضائية فيها ومحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام بالمغرب. فالتقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات تكشف عن فضائح يندى لها الجبين وتتضمن معطيات واضحة تجعل المتابعة القضائية متيسرة، لكن الحكومة لم تحل خلال ثلاث سنوات أي ملف على القضاء الجنائي. وتقارير المفتشية العامة للمالية تقف على اختلالات واختلاسات بالجملة في مؤسسات عمومية حيوية وحساسة، دون أن نرى أي أثر للمتابعات القضائية بشأنها. وتقارير لجان تقضي الحقائق تبرز ما تعجز باقي التقارير عن إبرازه بخصوص إدارات عمومية كبرى ومؤسسات عمومية استراتيجية، وبالمقابل نجد الحكومة تحرص على التغطية على المسؤولين وترفض أي تفعيل حقيقي للمساءلة الجنائية بخصوصها. فهل يحق لهذه الحكومة أن تدعي أنها حاربت الفساد والرشوة وقللت من آثار سوء التسيير؟ ◆ وماذا عن سياسة التشغيل ومحاربة البطالة والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين وسياسة تدبير صندوق المقاصة؟ ◆◆ إن البرنامج الحكومي لم يذكر أصلا أية تدابير واضحة ستتخذها الحكومة للحد من البطالة وإنعاش الشغل والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، وكل ما تحدثت عنه لا يتجاوز بعض الخطوط العريضة والمعطيات العامة التي يطالب بها الجميع، وبالتالي فهي بقيت منسجمة مع ذاتها ولم تتخذ على مدى السنوات الماضية أية مبادرات حقيقية في هذا الاتجاه، وكانت قد تعهدت بتخفيض الضريبة على القيمة المضافة لتخفيض أثمان المواد الأساسية، إلا أنها نسيت ما تعهدت به وركزت على إعفاء بعض القطاعات التي تدخل في إطار اقتصاد الريع أكثر مما تعد من الاقتصاد الحقيقي. وكانت قد تعهدت بإصلاح صندوق المقاصة، إلا أنها لحد الآن لم تقدم أية إجراءات أو تصورات لتتمكن من ذلك، بل إن عجزها تأكد مع إقرارها باستحالة تعويض نظام المقاصة بنظام آخر في الوقت الراهن. وبالتالي بقيت الإشكالات الكبرى التي يعاني منها المغرب على المستوى الاجتماعي، وعلى مستوى التشغيل والاستثمار، وتفشي الريع الاقتصادي وتراجع الاقتصاد المنتج للقيمة المضافة ولمناصب الشغل الحقيقية... ◆ أخيرا كيف تقيمون حصيلة حكومة عباس الفاسي من حيث مؤشرات التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر والتفاوتات بين الفئات والجهات؟ ◆◆ لا يمكن الحديث أصلا عن أية حصيلة لهذه الحكومة، فهي تارة تتحدث عن تنفيذ برنامج الملك، وتارة أخرى تقول أنها تدعم الإجراءات الكبرى للنهوض بالاقتصاد الوطني وكأن المغرب يتوفر على حكومة أخرى غيرها، كما أنها لا تتوانى عن التعبير عن جعلها بالبرامج والمخططات الكبرى التي يتم إعدادها وتتفاجأ بدورها بوجودها من قبيل مخطط المغرب الأخضر والطاقة والسياحة والصناعة التقليدية والتصدير وإنعاش الاستثمارات... إن ما اشتغلت عليه الحكومة خلال سنوات ولايتها لا يمكن وصفه بالعمل الحكومي المنظم، فقوانين المالية لم تكن تعبر عن أية استراتيجية تنموية، والإجراءات الضريبية كانت تستهدف إعفاء المضاربين العقاريين والأبناك على حساب الاقتصاد المنتج والحقيقي الذي تم إرهاقه بالأعباء الجبائية وبغياب أي دعم حقيقي للاستثمارات. أما على مستوى تدبير الاستثمارات العمومية التي تعد محرك الاقتصاد، فلا نجد أي أثر في عمل الحكومة التي لا تستطيع التحكم في هذا الاستثمار وجعله يخدم الدينامية الاقتصادية الوطنية، بل إن الحكومة لا تستطيع حتى مراقبة الوكالات والمؤسسات العمومية والمقاولات الكبرى التي تملكها الدولة، فأحرى أن تتحكم في برامجها الاستثمارية. وهذا الوضع أدى في واقع الأمر إلى إرساء هوة عميقة بين ما تنفقه الدولة من ماليتها العمومية وبين الأهداف المفترضة من هذا الإنفاق، فنسبة الفقر في تزايد مستمر والنسب المعلن عنها غير صحيحة وتحدث خلطا بينا بين فئات المجتمع، فلا يمكن اعتبار الطبقة الوسطى بأجرة شهرية لرب العائلة لا تتعدى 5 آلاف درهم، ولا يمكن الحديث عن نسبة بطالة لا تتجاوز 10% إذا تم احتساتب البطالة الحقيقية بالبوادي، ولا يعقل الحديث ضغط جبائي في حدود 24% أمام عدم احتساب ما تدفعه الأسر من رسوم شبه ضريبية شهرية واقتطاعات إجبارية تقتطع من قوتها اليومي والتي يصل معها الضغط الضريبي الحقيقي إلى أزيد من 40% باعتماد المؤشرات الدولية... فالجميع يعلم الآن أن غالبية المواطنين يعانون من ارتفاع الضغط الجبائي على أجورهم ومن غياب مجانية الصحة والتعليم والنقل العمومي والخدمات الأساسية، ومن غياب التغطية الصحية الشمولية، وهو الأمر الذي يجعل دخل الأسر يقل بكثير عن حاجياتها الأساسية والتكميلية، ويضع مئات الآلاف من الأسر في مواجهة كوارث الاقتراض والديون المتراكمة على عاتقها. إن حصيلة الحكومة يعبر عنها الوضع الاقتصادي الهش للمغرب، وتعبر عنها الوضعية الكارثية للمالية العمومية، والمؤشر الأساسي لعمل الحكومة يتجلى في فشلها في محاربة الفقر والحد من الفساد، وفي فشلها في إصلاح القضاء وفي رفع مستوى التعليم وفي الحد من وضعية الصحة العمومية... إن هذه الحصيلة واضحة للعيان ولا تحتاج لأي جدال إعلامي، ولا تحتاج معها الحكومة لصرف أزيد من مليار سنتيم على موقع إلكتروني بسيط يفضح فشلها عوض أن يبين حصيلة عملها.