نشرت الجريدة الرسمية الصادرة يوم 4 أبريل 2002 عدد 4992 النص الكامل للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة في 22 أبريل 1998 وتنص في الديباجة على أنها جاءت رغبة في تعزيز التعاون بين الدول العربية الموقعة لمكافحة الجرائم الإرهابية التي تهدد أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية، وعرفت مفهوم الإرهاب الذي ترمي إلى مكافحته مؤكدة على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها وتحتوي الاتفاقية على اثنين وأربعين مادة شملت التعريف ومجالات التعاون المطلوبة كالمجال الأمني وتدابير المكافحة من تبادل للمعلومات والخبرات وتسليم المجرمين، وشرط ذلك، وكذا التعاون القضائي وإجراءات الإنابة القضائية وإجراءات التسليم للمجرمين وحماية الشهود والخبراء ثم أحكام ختامية وديلت بلائحة الدول الموقعة على الاتفاقية حيث كان التوقيع من طرف وزير الداخلية والعدل لكل دولة. السياق التاريخي للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب جاءت الاتفاقية كتتويج لمسار طويل ابتدأ منذ سنة 1992 يقصد بشكل غير معلن محاصرة المد الإسلامي ومواجهة الحركة الإسلامية بدفع من الجزائروتونس ومصر. حيث كانت مصر تعيش من قبل مواجهة قوية مع الجماعات الإسلامية ترتبت عنها أحداث عنف متكررة، ودخلت تونس في معركة شرسة مع الإسلاميين وصدرت أحكام قاسية في حق قيادات وأطر حركة النهضة وصلت إلى السجن بالمؤبد والإعدام اضطر البعض منهم اللجوء إلى الجزائر سنة 1989، لتصل العدوى إليها فيما بعد عندما ألغيت الانتخابات التشريعية في يناير 1992 بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بأكثر من %45 من المقاعد في الدور الأول من الانتخابات التشريعية وثم الانقلاب على الديمقراطية ورحيل الرئيس الشاذلي بن جديد من الحكم وتنفذ الجهاز العسكري فيه فيما بعد، مما أدخل البلاد في دوامة من العنف واللااستقرار ومواجهة مباشرة مع جبهة الإنقاذ والإسلاميين عموما. وسعيا من الجزائر للخروج من الأزمة الداخلية اتجهت دبلوماسيتها بكل ثقل للبحث في مجال خارجي جهوي بل دولي لتطويق مشاكلها فوجدت استجابة لدى مصر وتونس لما يعيشانه من حالة صدام مع الحركة الإسلامية. وصادف هذا كله ظهور توجه أوروبي مساعد لها في مواجهتها لما تسميه الخطر الإسلامي وعلى رأسها فرنسا على عهد وزير الداخلية شارل باسكوا الذي وضع صحبة الجزائر استراتيجية حازمة في الموضوع، فيما أيد ميتران رئيس فرنسا يومها صراحة رب تجفيف المنابع الإسلامية في تونس وجاء مؤتمر وزراء الداخلية العربي في دورته العاشرة الذي انعقد في مطلع سنة 1993 ليناقش الخطة الأمنية العربية الخماسية الثانية لفترة (1998-1993) وتطرقت مداولات وزراء الداخلية العرب حول الاتفاق على التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والعنف، حيث حصل تقارب جزائري تونسي ومصري حول الدعوة لاعتماد استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني، إلا أنه لم يحصل أي اتفاق بشأنه لعدم وجود إجماع حول مفهوم الإرهاب وأبعاده لاختلاف نظم الحكم والسياسات المتبعة في العالم العربي إزاء هذه القضايا بينما عقدت الدول الثلاثة المتقاربة في الموضوع لقاءا عقب اختتام الدورة وشكلت لجنة أمنية ثلاثية بمبادرة مصرية لتكثيف التنسيق حول مكافحة التطرف الديني والإرهاب. وجاء ذلك بعد تعذر اقناع المغرب بالدخول في هذه الاستراتيجية لأنه يعتبر نفسه غير معني وأن له منظور مخالفا للتطرف نابع من خصوصيته عبر عنها الملك الحسن الثاني رحمه الله في أكثر من مناسبة نافيا وجوده أساسا في المغرب، وهو ما كانت بعض الجهات في السلطة الجزائرية تأخذه بحساسية مفرطة، واكتفى بإبدائه الاستعداد لتقديم المساعدة للجزائر في إطار تطبيق القانون المغربي بحزم على كل مخالف وفي هذا الصدد سلم عبد الحق العيايدة للسلطات الجزائرية. وقد أثر كل هذا على سير اتحاد المغرب العربي وأصابه بالجمود مما فسح المجال أمام تعاون إقليمي بين الثلاثي (مصر، الجزائر، تونس) وبروز تصور مشترك لديهم قائم على الشراكة في مواجهة >الخطر الأصولي< استفادت منه الجزائر على مستوى الحدود مع تونس التي وقعت اتفاقية ترسيمها في مارس 1993 بعدما ظلت مجمدة خلال العقود الماضية، واستفادت منه تونس في حسم المعركة مع حركة النهضة. تونس التي ستستضيف في بداية 1995 مؤتمر وزراء الداخلية لبعض دول غرب حوض البحر الأبيض المتوسط كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال بالإضافة إلى الجزائر ومصر لدراسة استراتيجية مشتركة لمواجهة الحركة الإسلامية تغيب عنه المغرب وأعلن أنه غير معني بموضوع الاجتماع وأن أولوياته الأمنية موجهة لمحاربة المخدرات والتهريب والجريمة المنظمة. إلا أن ثمة ظروف دولية حولت المطلب الثلاثي لكل من الجزائر ومصر وتونس إلى مطلب دولي جعل المغرب يوقع على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب فيما بعد سنة 1998 ونجملها باختصار في ثلاثة أسباب: انعقاد مؤتمر دولي حول الإرهاب بشرم الشيخ بمباركة أمريكية شارك فيه المغرب سنة 1996. حصول تطورات على المستوى الأورو متوسطي وإعلان برشلونة يوم 6 يونيو 1996 الذي أقر الشراكة السياسية والأمنية لتحقيق السلم والاستقرار والأمن في المنطقة المتوسطية. استغلال منظمة الحلف الأطلسي >ناتو< تصاعد الأزمة داخل الجزائر لتقوم بعدة اجتماعات متتالية لدراسة إمكانية إقامة آليات للتدخل العسكري في منطقة البحر الأبيض المتوسط ودعى دول المنطقة لمناقشة الأفكار المطروحة في هذا الصدد. علاقة الاتفاقية العربية بالاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب وقعت الدولة المغربية يوم 12 أكتوبر 2001 على الاتفاقية الدولية من أجل مكافحة الإرهاب وتمويله فأية علاقة تربط بينها وبين الاتفاقية العربية السالفة الذكر؟ يبدو ظاهرا أنه لا علاقة بين الاتفاقية العربية التي وقعتها 22 دولة من دول الجامعة العربية وبين الاتفاقية الدولية المذكورة التي وقعتها 138 دولة مع تحفظ 16 دولة. لكن الدافع في العمق يكاد يكون واحدا، بحيث كان هاجس الأولى كما سلف هو مواجهة الخطر الأصولي بالأساس وكان هاجس الثانية ضرب مختلف المؤسسات والهيئات والجمعيات الخيرية ذات الارتباط بالهوية الحضارية للأمة وبخدمة احتياجات شعوبها وبالتالي وقف الدعم الموجه للانتفاضة الفلسطينية وللدول التي تعتبرها أمريكا داعمة للإرهاب كالعراق والسودان مثلا، بما يعني تصفية العمل الخيري وتجفيف منابع الخير في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن هناك نقطة خلاف جوهرية بين الاتفاقيتين، فبينما ينطلق مفهوم الإرهاب في الاتفاقية الدولية من المعاني الأمريكية للمصطلح والتي تريد فرضها على العالم على أساس لا يميز بين العمل الإرهابي العدائي الذي يتخذ العنف وسيلة لتحقيق أغراض سياسية أو شخصية لأشخاص أو جماعات وبين المقاومة المشروعة للاحتلال والكفاح من أجل الاستقلال بحيث ثم إدراج حركات المقاومة في لائحة الإرهابيين، نجد أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب نحت منحى معاكس تماما وهذا يسجل لصالحها إذ حددت مفهوم الإرهاب الذي تحاربه في الأفعال المهددة للأمن والاستقرار والمصالح الحيوية للبلدان العربية مؤكدة على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل بما فيها الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها. خلاصة إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تؤكد عدم ربطها بين الإسلام وبين الإرهاب فإن واقع حالها وممارساتها تثبت العكس خاصة عندما أدرجت المقاومة الفلسطينية واللبنانية في لائحة مكافحة الإرهاب. وشن حملة مسعورة على السعودية وتحملها مسؤولية التطرف وتتهم التعليم الديني في الدول العربية الإسلامية مسؤولية إنتاج التطرف وتسعى إلى التدخل في برامجها التعليمية. وإذا كانت تقف صامتة بل مزكية للإرهاب الصهيوني في فلسطين بأسلحة أمريكية، وتقف عائقا أمام تطبيق قرارات "الشرعية" الدولية وتستمر في معاداة العراق وإيران والسكوت على جرائم الهند في حق المسلمين وغيرها من المسالك غير العادلة والعدائية للعرب والمسلمين فإن هذا يشكل مدعاة وحافزا قويا لتوحيد مواقف الدول العربية والإسلامية إزاء هذه الأخطار ومحاولة استغلال تناقض المصالح بين راعية الإرهاب الصهيوني والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لعقلنة مسلك واشنطن الذي يهدد الأمن والسلم في العالم كله إن استمر على هذا الحال. وهو ما يحتاج من الأمة العربية الإسلامية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى وقفة شجاعة (إما أن نكون أو لا نكون) وتنبيهها إلى أن هذه الأمة كما قال أحد اللبنانيين ليست هنودا حمر أمام راع البقر الأمريكي وأن السيل قد بلغ الزبى. محمد عيادي