نص الفصل الأول في باب الأحكام العامة لدستور2011 على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. وكمقارنة يسجل أن دستور 1996 لم يتحدث عن الجهوية كمفهوم وكمبدأ وكنظام إداري، وإنما تحدث في ثلاث فصول يتيمة عن الجماعات المحلية وجعل الجهات ضمنها ومنح العمال والولاة الاختصاص التنفيذي. أما مشروع الدستور الحالي فخصص 12 فصلا منه للجهات والجماعات الترابية بتفاصيل عدة وبقواعد دستورية هامة. فماهي أهم معالم هذا التحول؟ وماهي أبرز تحديات تكريس بعد الجهوية المتقدمة في مغرب المستقبل؟ في خطاب 20 غشت 2011، أكد الملك محمد السادس على أن تحديث ودمقرطة هياكل الدولة يتجلى بشكل أقوى في إرساء الجهوية المتقدمة، وأضاف أن "تحديث ودمقرطة هياكل الدولة، بقدر ما يتجسد في توزيع الدستور الجديد للسلطات المركزية، وفق مبدأ فصل السلط، فإنه يتجلى، بصفة أقوى، في إرساء الجهوية المتقدمة، القائمة على إعادة توزيع سلط وإمكانات المركز على الجهات". مشيرا إلى أنه لإرساء دعائم الورش الهيكلي الكبير للجهوية المتقدمة ينبغي إعطاء الأسبقية لإعداد القانون التنظيمي الخاص بها، اعتبارا لارتباطه بانتخاب المجالس الجهوية، وغيرها من الاستحقاقات والتدابير اللازمة لإقامة الغرفة الثانية. وشدد على أن يتم ذلك "على أساس الديمقراطية الترابية والحكامة الجيدة، بما يكفل تحقيق تنمية جهوية, متضامنة ومتوازنة ومندمجة، تضع حدا للمقولة الاستعمارية للمغرب النافع وغير النافع، وللفوارق المجالية".مذكرا بأن الدستور الجديد يرسي دعائم جهوية موسعة، ضمن تحول تاريخي يتوخى تحديث وعقلنة هياكل الدولة، باعتماد إصلاحات جوهرية، قائمة على الحكامة الترابية الجيدة، وهادفة للنهوض بالتنمية المندمجة، وترسيخ العدالة الاجتماعية، وضمان مقومات المواطنة الكريمة لكافة المغاربة. في هذا السياق العام، نص الفصل146 من دستور 2011على أنه تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة : عشر مقتضيات. أولا، شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة. ثانيا: شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها، طبقا للفصل 138. ثالثا: شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات. رابعا: الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140. خامسا: النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى . سادسا: مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141. سابعا: موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليها في الفصل 142. ثامنا: شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144. تاسعا: المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات، وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه.عاشرا: قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة. يرى عبد اللطيف برحو باحث في التنمية المحلية والشأن الجهوي، على أن عمل اللجنة الاستشارية للجهوية انتهى فقط إلى تكريس البعد التنموي الاقتصادي الاجتماعي لعمل الجهات، مع توسيع اختصاصات المجالس الجهوية، وتخويل رئيسها صلاحيات تقريرية وتنفيذية، مع الرفع من موارد الجهات المالية، ومنحها استقلالية عبر إعادة النظر في علاقاتها مع المحيط داخل الجهة ومع السلطات المركزية . في حين أن الجهوية الموسعة تقوم على أساس الجهوية السياسية في إطار اللامركزية السياسية، والذي يتطلب وجود برلمان جهوي منتخب حقيقة وحكومة جهوية ذات صلاحيات واسعة، ويقتصر دور ممثل السلطة المركزية (الولاة والعمال)على ضمان التنسيق بين المركز والجهات. أما القانون التنظيمي المتعلق بالجهات وبباقي الجماعات الترابية فينبغي، وفق برحو، التركيز من خلاله على توسيع مجالات الاستقلالية المالية والتدبيرية للجهات، بناء على روح النص الدستوري، وليس تقييدها بالقانون كما كان يحدث دائما على عدة مستويات، كما أن المراسيم التطبيقية تعد أحيانا حاسمة وقد تتجاوز النص القانوني نفسه. كما يتوجب جمع جميع النصوص القانونية العامة المنظمة للجماعات الترابية (الجماعات المحلية سابقا) في مدونة واحدة، على رأسها القانون التنظيمي للجهات وباقي الجماعات الترابية والأنظمة المالية وأنظمة الممتلكات والوظيفة العمومية الجهوية. كما يُستحسن أن يتم فصل القطاع الحكومي المرتبط بالجهوية واللامركزية والتنمية المحلية عن وزارة الداخلية، وإفراده بوزارة خاصة أو كتابة للدولة كما هو الشأن في عدد من الدول الغربية المتقدمة. لقد أوصت اللجنة الاستشارية للجهوية بتقسيم المغرب ترابيا إلى 12 جهة بدل 16. وتدعو المقترحات المتضمنة في التقرير العام للجنة كذلك، إلى إعادة النظر في العلاقات بين السلطات والمنتخبين، سعيا للانتقال من علاقات السلطة العمودية، المقترنة بمفهوم الوصاية، إلى علاقات التشاور والتعاون والتضافر، التي يتطلبها المفهوم الجديد للسلطة من جهة ومتطلبات تحديث الدولة من جهة أخرى. وضمن القواعد الدستورية المحددة لطبيعة تدبير الحكامة الجهوية التي ينبغي تكريسها مستقبلا، نص الفصل 135 من دستور 2011 على أن الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر. أما الفصل 136 فينص على أن التنظيم الجهوي والترابي يركز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة. وتساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى، حسب الفصل 137، في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين. وفيما يتعلق بالتمويل ورد في الفصل142: يُحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات.يُحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها.