إصلاح المالية العمومية رهين بإقرار قانون تنظيمي للمالية يكرس مبدأ المراقبة والمسائلة المالية ينص الفصل75 من دستور 2011 على أن قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، يصدر بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي، ويحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية. إن القانون التنظيمي للمالية يشكل مرجعية قانونية أساسية لما يتميز به من تنظيم علاقات الحكومة بالبرلمان حول جميع مراحل الميزانية. إذ يبين حقوق وواجبات كل الفاعلين، والوسائل العملية لتنفيذ مختلف المراحل المتعلقة بالمسطرة الموازناتية. وهنا نتسائل عن المعيقات التي تحول منذ مدة دون إخراج قانون تنظيمي للمالية جديد يضبط ”بشكل ديمقراطي” آليات إقرار الميزاية العامة إعدادا ومراقبة وتصفية. ثم متى سيمكن البرلمان المغربي من أن يراقب قانونا للمالية بالمعنى المعترف به عالميا؟ و ماهي الآليات الممكن وضعها لإشراك البرلمان في تتبع تنفيذ قانون المالية من أجل تحسين السياسات العمومية؟ هناك إجماع بين مختلف المتدخلين على أن القانون التنظيمي الحالي للمالية يرتكز على أسس لتدبير المالية العامة "شبه متجاوزة". في ذات السياق، يؤكد عبد اللطيف برحو، نائب برلماني، على أن القانون التنظيمي للمالية ”أصبح متجاوزا” بل إنه يشكل عائقا أمام ممارسة المؤسسات الدستورية لاختصاصاتها وفق قواعد النجاعة والفعالية وتقييم الأداء وحسن مراقبة التدبير العمومي. ويرى برحو أن إصلاح المالية العمومية يتطلب عددا من الشروط، منها ضرورة اعتماد المنهجية الشمولية والمندمجة للإصلاح واعتماد آلية تقييم السياسات العمومية، إضافة إلى ضرورة مراجعة منظومة متكاملة من النصوص التشريعية المرتبطة بتدبير المالية العمومية. وقد خلص تقرير برلماني حول ”الإصلاح الميزاني” إلى تحديد 25 مقترحا من أجل تجاوز أعطاب تدبير المالية العمومية في المغرب. وشدد التقرير الذي رعته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد تحت عنوان ”من أجل برلمان فاعل في إصلاح الميزانية” على أن حضور البرلمان في تتبع الميزانية العامة ”يكاد يكون منعدما”، وخلص اليوم الدراسي الذي نظمته المؤسسة لتقديم خلاصات البحث على أولوية إصلاح القانون التنظيمي للمالية(الدستور المالي)، وتعديل الفصول 50 و51 و52 من دستور 1996، في اتجاه يسمح للبرلمان من المراقبة والمسائلة المالية، ولتتبع تنفيذ الميزانية العامة. للقانون التنظيمي الذي يعود لسنة 1972 وهو مستمد في جوانب عدة منه من القانون التنظيمي الفرنسي ليناير 1959. وكجزء من إرادة التحول، تتحدث الوثيقة الدستورية ليوليوز 2011 في عدد من الفصول على القانون المالي باعتباره قانونا يرسم معالم السياسات العمومية خلال سنة كاملة. فلتحديد مسارات إقرار مشاريع قوانين المالية، يؤكد الفصل49 على أن التوجهات العامة لمشروع قانون المالية يتم التداول فيها من قبل مجلس الوزراء الذي يترأسه الملك، لكن قبل ذلك يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، حسب الفصل92 في مشروع قانون المالية، قبل إيداعه بمكتب مجلس النواب دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور. ولتحديد المسؤوليات يبرز الفصل77 على المسؤولية المشتركة في تحديد خيارات المالية العمومية بين الحكومة والمؤسسة التشريعية، ذلك أن البرلمان والحكومة يسهران على الحفاظ على توازن مالية الدولة. وللحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود. في هذا السياق، يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها، في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية،والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وذلك عندما يوافق عليها، ويستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج التنموية وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور. وفي حالة ما إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو صدور الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته على المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة. ويسترسل العمل، في هذه الحالة، باستخلاص المداخيل طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجارية عليها، باستثناء المداخيل المقترح إلغاؤها في مشروع قانون المالية ; أما المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها، فتُستخلص على أساس المقدار الجديد المقترح. وحسم دستور 2011 في الآجال المخصصة لأمر تصفية الميزانية العامة، ذلك أن الفصل76 ينبه على أن الحكومة تعرض سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون. من هذا المنظور، اعتبرعلي بوعبيد المندوب العام لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، أن المنطلقات الكبرى المتحكمة في ضرورة ”الإصلاح الميزاني” تصب في ثلاث اتجاهات. الاتجاه الأول متعلقة بالطبيعة الإستراتيجية لقضايا الميزانية بالنظر إلى الوظيفة السياسية للعمل البرلماني في بلد يطمح إلى الرفع من مستوى الممارسة الديمقراطية داخل المؤسسات وعلى رأسها البرلمان. الاتجاه الثاني يتمثل بالسياق السياسي العام، لذلك فمن الصعب عزل مراجعة القانون التنظيمي للمالية عن سياق عام يروم تعزيز مصداقية المؤسسات الديمقراطية.أما الاتجاه الثالث، وفق بوعبيد، مرتبط بإشكالية ما يسمى ”بالتسيير العمومي الجديد” وهنا ”لا يمكن أن تظل القواعد المالية خاضعة لمقاربة إدارية محضة بل المطلوب هو التداول حول السياسات العمومية”. هذه الأسئلة، وفق بوعبيد تؤطر إصلاح القانون التنظيمي للمالية من أجل الوصول إلى الأهداف التالية: أولا: تحسين محتوى المعلومة وتسهيل الولوج إليها. ثانيا: إشراك حقيقي للبرلمان في جميع المحطات لوضع قانون المالية مناقشة الفرضيات، مناقشة القانون، تتبع التنفيذ، تقييم التنفيذ. ثالثا: تجاوز المقاربة القطاعية المتحكمة في القانون المالي واعتماده على تصور شمولي. رابعا: تحديد معايير موضوعية تتحكم في توزيع ترابي واجتماعي عادل للموارد يخدم سياسة مجالية موحدة وواضحة للدولة.