لم يرد اسم الله الجميل في القرآن الكريم وإنما ورد في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ). معناه: الجميل في اللغة من الجمال وهو الحسن ضدُّ القبح، ومنه: الصبر الجميل، وهو الذي لا شكوى معه ولا جزع كما في قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ). والله سبحانه وتعالى هو الجميل في ذاته جمالاً لا يدركه سواه، وهو الجميل في أسمائه وصفاته فأسماؤه كلها حسنى، جمعت من الحسن كماله وبلغت من الجمال تمامه، وصفاتُه كلها صفات كمال. وهو الجميل سبحانه في أفعاله، فأفعاله كلُّها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة ليس فيها عبث ولا مشقة ولا ظلم. ويكفي في بيان جماله سبحانه وتعالى أنه لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سُبحات وجهه (أي: أنواره) ماانتهى إليه بصره من خلقه. ويكفي في بيان جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال. ولذلك كان النظر إلى وجه الله الجميل هو قرة عين أهل الجنة وبهجة نفوسهم وتمام المنة عليهم ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنةَ قال:يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجينا من النار قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل". ومن جماله أن له الجود كلَّه والإحسان كلَّه والفضل كلَّه والعلَّم كله، فلا حد لجماله ولا منتهى لكماله، لا تحيط به العقول ولا تدركه الأبصار، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه. أثر معرفة اسم الله "الجميل" على العبد: - إذا عرف العبد ربَّه "الجميل" وأنّ الكون كلَّه معرض لتجليات هذا الاسم ومرآة لجماله تعالى وبهائه وجلاله، فإن الكون حينها يغدو مسجداً يلهج كل ما فيه من الموجودات بذكر الله تعالى الجميل فيتوجّه العبد إلى الكون بالمحبة لأنه يرى فيه معرضا لجمال الله وبهائه. وبهذا تكون الدنيا بلذاتها ونعيمها وبهائها طريقا إلى الله تعالى،فتمتزج عند العبد لذة الجمال المادية بالسعادة الروحية النابعة من استشعاره لمعية ربه الذي هو أصل كل جمال وحرصِه على إرضائه فيما سخَّره له من جمال، وهكذا لا يجرؤ على معصية ربه من أجل جمال امرأة، أو لذة مال حرام، أو أي جمال عارض يتعارض مع طاعة الله الجميل، ولذلك لا غرابة أن تجد كثيراً من الأغنياء والوجهاء ممن ظاهرهم جمال وعمار باطنهم قبح وخراب لأنهم أعرضوا عن الله الجميل مصدر كل جمال. - إذا عرف العبد ربه الجميل الذي يحب الجمال ويثيب عليه ويحب أهله فإنه يتقرب إليه بكل جمال في الظاهر والباطن، فكما أن الله تعالى يحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب المتقين ويحب الصابرين ويحب المتوكلين ويحب المقسطين فإنه يحب كذلك الجمال والمتجملين، وهكذا يحرص العبد على أن يُجَمِّل بدنه بإظهار نعمة الله عليه في لباسه والطهارة من الأحداث والأوساخ، وأن يُجَمِّل لسانه بالصدق والكلمة الطيبة والقول الحسن الجميل، ويُجَمِّل قلبه بالإخلاص والإنابة والمحبة والتوكل على الله عز وجل والتعلق به، ويجمّل جوارحه بالطاعة. وجمالُ الطاعة يكون بإتقانها وإحسانها، فإن كانت صلاة فبالخشوع والخضوع، وإن كانت قراءة للقرآن الكريم فبالتدبر وحسن الفهم والفقه، وإن كانت إنفاقا فبالإخلاص وعدم المن والأذى... ولا شك أن الجمال في العبادة والطاعة بإتقانها وإحسانها والإخلاص فيها يُثمر جمالا في الأخلاق، ومن حُرم قيم الجمال في معاملة الخلق فلأن عبادته وطاعته لله عز وجل تفتقد الجمال، ولعلّ هذا –والله تعالى أعلم – هو السِّرُّ في أن المفلس بميزان الآخرة -كما في الحديث الصحيح - هو: من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار". فهذا المفلس حُرم قيم الجمال في معاملة الخلق، لأنه افتقد الإتقان والإحسان والجمال في عبادته للخالق الجميل، وإلا فإن الله تعالى أكرم من أن تعبده بالجمال ولا يرزقك الجمال في معاملة الخلق.