الإفطار، وما أدراكم والإفطار؟ طقوسه متعددة وفنونه متنوعة وجنونه لا حد لها. هو نقطة الفصل بين عبادة الصيام وعادة "الإضراب" عن الطعام. سلطانه الحريرة. وحريرته عادات وأنواع. أهل الجنوب يبدؤون بها فطورهم وأهل الشمال ينهونه بها. وإذا التقى الجمعان على مائدة واحدة لزم حضور " سيرفور" لتلبية الحاجات المتقاطعة، وحكم لتنظيم "حركة المرور". هناك من يفضل حصته الحريرية من "الفوق" وهناك من يفضلها بالعكس من "التحت" والفرق بينهما كالفرق بين "خفيفة" و"ثقيلة". ذلك أن الحريرة عموما لها "قاع" يترسب فيه ما يسميه الناس "الكاياس" ويشمل الفول والعدس والحمص والروز واللحم وغير ذلك من "القوام". وبالمغرفة يمكن تدبير طلبات المتطرفين إلى الفوق أو التحت والمعتدلين الذين يميلون إلى نوع من التوازن. وهناك أنواع من الحرائر يستوي الفوق فيها والتحت مثل الحسوة. وكيفما كان النوع فالعبرة بعدد "الزلايف" أو "الجبانيات" التي يشرب الواحد من القوم. قليلون من يستغنون عنها نهائيا في حين يتم الحديث عن معدل استهلاك يبلغ أربعة "جبانيات" وهناك من "يؤصل" لذلك بالقول "الصيام عطانا ربعة"!. وبما أن حريرتنا المغربية غنية ب "القوام" وفيها أنواع من التوابل و"الربيع" وخاصة "الكرافس"، فغالبا ما تتحول الحريرة إلى "مخدر" يجلب ارتخاء العضلات وتصبب العرق والميل إلى النوم، وهو يفرض الحديث عن "الادمتان الحريري" الذي قد يفسر صعوبة الاستغناء عنها! والحريرة ليست إلا مكونا واحدا من بين مكونات مائدة الإفطار التي تختلف كما ونوعا بحسب العادات والقدرات. والإفطار أشواط تختلف بحسب الموقف، من حيث البداية والنهاية، من "السلطان"، ونقصد بالطبع الحريرة ! وما بين المواد السائلة والصلبة يمكن لمائدة واحدة أن تشمل أزيد من 14 مادة. مبالغة؟ لنقف عند نموذج وليكن من الذين يفضلون البدء بالحريرة. الشوط الأول يمكن أن يشمل: ماء، حليب، عصير، حريرة، ثمر، شباكية وبيض مسلوق. والشوط الثاني، دون فاصل في الغالب، ويشمل: الشاي أو القهوة والحليب أو هما معا، بغرير، مسمن، خبز، دهنيات ، السلو. وإذا تأملنا في المثل السابق سوف نجد أنه أقرب إلى الحد الأدنى المعتمد. وإلا فهناك من يضم إلى مائدة الإفطار سمكا ولحما وأنواعا من الشربات والمحشيات وأنواعا من الحلويات ومن العصير...وقد يصل عدد أنواع المستهلكات ثلاثين نوعا في مائدة واحدة! ولمن لا يصدق الأرقام أن يراجع لائحة مائدته اليوم أو يفتح تحقيقا حول النتائج: بطون منتفخة وأجساد لا تقوى على الحركة وميل إلى النوم وألم ودوخة في الرأس. أو ليدخل المطبخ بعد الإفطار وينظر إلى مختلف الأواني: منظر يشبه بقايا سقوط طائرة. إنها نتائج معركة يومية تدور رحاها على مائدة الإفطار، ويمكن أن تمتد تداعيات المعركة إلى حاويات القمامة حيث أكياس بلاستيكية مملوءة بالحريرة وبقايا الطعام تشهد كل صباح على هزيمة الليل الأخلاقية.