بطلنا الذي سنسرد سيرته هو مؤسس دولة المرابطين، رائد الجهاد الإسلامي في بلاد المغرب الإسلامي، بدأ في تأسيس دولته على أسس شرعية ربَّانية، فنفذ أحكامها الشرعية؛ هو القائد الرباني يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي, وكانت قبيلته قد سيطرت بسيادتها وقيادتها على صنهاجة، واحتفظت بالرئاسة. إذا نظرنا في سيرة قادة المُجَاهدين في دولة المرابطين نجد أن خيار قادتهم تميَّزوا بصفات أهَّلَتهم لقيادة الجيوش وتحقيق النصر وإلحاق الهزائم بالأعداء، ومن أشْهر أولئك القادة الذين تميَّزوا بصفاتهم القيادية القائد الأمير يوسف بن تاشفين؛ حيث تربَّى على حسن صلته بربه الذي يمده بالعون بقدر ما يحقق له العبودية؛ فكان له حظٌّ مِن القرآن والصيام والقيام وحسن الصلة والإنفاق في سبيل الله. وكان يجمع بين جمال الطلعة وجمال الجسم، وبين أبدع المواهب، كان بطلاً شجاعًا، حاذقًا، جوادًا كريمًا، زاهدًا في زينة الدنيا، عادلاً ورِعًا, متقشِّفًا، لباسه الصوف، وطعامه خبز الشعير، ولحوم الإبل وألبانها، كان عزيز النَّفس، كثير الخوف من الله، وكان يجمع الصفح والعفو عن الذنوب مهما كبرت؛ ما عدا الذين يرتكبون الخيانة في حق الدِّين، فلا مجال للعفو عنهم، كما تميَّز بوفائه التام للعهود، وابتعاده عن الأطماع الدنيوية، وحرصه على إعزاز الدِّين، وإزاحة العوائق التي تحول دون وحدة المُسْلِمِين. ربَّته الأحداث وصاغت من شخصيته قائدًا فذًّا، وبرهنت الأيامُ على أنه له مقدرةً على فهم واقعه, وأنه قادر على النهوض بقَومه وشعبه وجيشه نحو حياة إسلامية حضارية أفضل، وقد ظهر علمه وخبرته في اختيار جنده, ومعرفة الصالح منهم للجهاد وغير الصالح، وبرزت قوته في صموده وصبره ومصابرته ونجاحه في جهاده. دور العلماء في تربيته تلقَّى يوسف تعاليمه الأولى في قلب الصحراء من أفواه المُحَدِّثِين والفقهاء، وخاصةً العالم الرباني الفقيه عبد الله بن ياسين، فنما وترعرع وتربَّى على تعاليمه في الدين والسياسة الشرعية، شهد له أشياخ المرابطين من لمتونة وأعيان الدولة، والكُتَّاب والشهود، بتدينه وفضله وشجاعته وحزمه ونجدته وعدله وورعه وسداد رأيه، وكان للفقهاء عند قائد المرابطين مكانة عظيمة يضعها فوق كل اعتبار. سياسته في ضبط أمور الدولة تذكُر كتب التَّارِيخ أن يوسف بن تاشفين ظهرت مواهبه العسكرية والإدارية والتنظيمية والحركية والدعوية، وسلم النَّاسُ بزعامته, وبدأ في تأسيس دولته بالحزم والعلم والجد والمثابرة والبذل والعطاء. قام يوسف بن تاشفين بتوحيد المغرب الأقصى تحت راية الخلافة الإسلاميَّة, واستعمل من أجل هذا الهدف كل الأسباب المشروعة، سواء بإصلاح ذات البين بين القبائل المتناحرة، أو باستعمال القوة مع مَن استعصى عن الإجابة، وكان يسعى سعيًا حثيثًا للقضاء على الشرور في بلاده، ويعمل على إغلاق أبوابها أولاً بأول، وسبيله في ذلك: «تنفيذ الأَحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعمَّ النَّصَفة، فلا يتعدى ظالم، ولا يضعف مظلوم، واستطاع الأمير يوسف بن تاشفين أن يؤمِّن السبل في بلاده, وأن يبسط الأمن, ويقمع الأخطار التي هدَّدت دولته من المارقين, ونظَّم طرق الأسفار ومسارب التجارات». وقام الأمير يوسف بن تاشفين بأعمال عظيمة حمايةً لدولته وشعبه من كلِّ عدوٍّ يحاول أن يعتدي، واتخذ كل الأسباب المتاحة من أجل تحقيق هذا العمل المنشود، من تحصين الثغور بالعُدَّة المانعة والقوة الدافعة؛ حتى لا يظفر الأعداء بثغرة ينتهكون بها محرمًا ويسفكون دمًا لمسلم أو معاهد، وقضى على كلِّ محاولات أعداء دولته, وقضى على دويلات الكفر والإلحاد، وأقام الحدود، حتى تُصان محارم الله عن الانتهاك, وتحفظ حقوق العباد من أى إتلاف أو استهلاك, ونفذ في رعيَّتِه قوله تعالى: }وَإِذَا حكمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ{ (النساء: من الآية 58). وحرص الأمير يوسف على أن يختار الأمناء والأكفاء وأسند إليهم الولايات وقيادات الجنود ومناصب القضاة، وحرص على أن يولي كل عمل من أعمال المُسْلِمِين أصلحَ مَن يجده لذلك العمل، واختار وانتخب أحسن وأنفع العناصر لدولته السُّنيَّة من أجل أن يقوم بواجبه نحو رعيَّتِه، واعتاد الأمير يوسف أن يُشرف بنفسه على أمور رعيَّتِه، وكان الأمير يوسف يراقب ولاته مراقبةً شديدةً, ولا يترددُ في تبديلهم وعزلهم إذا أساءوا، ويزورهم في مواطنهم, ويستمع للنَّاس، وكان يضع مصلحة الرعية في المقام الأول عند تعيين الولاة ويوصيهم بها خيرًا.