غالبية الأوربيين تعتبر الولاياتالمتحدة خطرا محدقا بالسلام العالمي أظهر استفتاء أجرته مجلة التايم الأوروبية مؤخرا مدى المعارضة الشعبية الشديدة لسياسات واشنطن . فقد طرحت المجلة سؤالا حول الدولة التي تشكل أكبر خطر على السلام العالمي . فجاءت النتائج كالتالي : من 268000 مشارك أكد 7.8 % أنها كوريا الشمالية و أشار 8.9% إلى العراق و جاءت النتيجة التي أدهشت الأمريكيين حين أكد 83% أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الدولة التي تشكل خطرا حقيقيا على السلام العالمي . و استفتاء التايم هذا يوضح بجلاء الشعور العالمي المعادي للحرب باستثناء بريطانيا و إسرائيل . أما المتشددين الأمريكيين فسيتجاهلون مثل هذه الاستفتاءات و يقللون من أهميتها واصفينها بإحدى مظاهر العداء الأوروبي المتزايد لأمريكا حسب زعمهم . و صقور واشنطن أكدوا مرارا و تكرارا أنه لا يهمهم ماذا يقول العالم عنهم ماداموا يسعون لتحقيق مصالحهم جنبا إلى جنب مع إسرائيل, فمصلحتهم هي ما يهمهم و ليس أي شيء آخر . و حين سئل وزير الدفاع الأمريكي دونال رامسفيلد مؤخرا عن المعارضة الأوروبية المتزايدة لخطط الحرب الأمريكية لخص المسألة كلها في ما سماه ب " أوروبا القديمة " . و في المقابل حذر وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دوفيلبان من أن دولته قد تستخدم الفيتو إذا تطلب الأمر ذلك للحيلولة دون حصول أمريكا على قرار دولي بشن الحرب على العراق و دعمتها في موقفها هذا ألمانيا و الصين و روسيا . هناك كره عميق و متجذر في اليمين الأمريكي لفرنسا . فهم يتوقعون من حلفائهم الأوربيين طاعة دائمة لكل ما يفعلون و دائما ما تجد واشنطن تطالب أوروبا بتحمل مسئولياتها الدولية و تتوقع منهم عدم معارضتها في سياساتها الخارجية . إلا أنهم يعتبرون أن فرنسا كانت و مازالت تلك الدولة المعارضة للسياسات الأمريكية الخارجية منذ أن رفض الجنرال الفرنسي ديغول تلقي الأوامر من واشنطن أو اعتبار نفسه حليفا شابا للولايات المتحدة كما لقبت بذلك باقي الزعماء الأوربيين وقتها . و بخلاف الأمريكيين فالأوروبيين بشكل عام ينظرون نظرة مختلفة إلى الأوضاع في الشرق الأوسط و ربما ذلك ناتج عن تجربتهم الطويلة في المنطقة و إعلامهم أيضا يحاول أن يكون محايدا و ينوع من برامجه عن المنطقة و ينقل عن كل الأطراف , فيما الإعلام الأمريكي الشمالي مازال قابعا في تلك الدائرة الضيقة التي رسمتها له واشنطن . و نجد الأمريكيين مثلا يتهمون الفرنسيين بالعجرفة و التشدد و التعالي فيما يرد الفرنسيين علي السياسيين الأمريكيين بأنهم عبارة عن نسخة رسمها و شكل ملامحها جورج بوش من أجل الأوروبيين . و يذهب الفرنسيون أبعد من ذلك فيتهمونهم بالجهل و قلة الصبر و الثقافة و بأنهم يفتقدون لعنصرين لابد منهما في التربية المتحضرة و هما الجغرافيا و التاريخ . و يحذر أيضا المثقفون الفرنسيون من أن الإعلام الأمريكي يحاول تحويل الشباب الأوروبي إلى أناس سطحيين يتقبلون أي شيء. و لعل ليلة واحدة من مشاهدة قناة تلفزية أمريكية تكفي لتأكد هذه المسألة . و يرى المتشددون الأمريكيون أن هناك أيدلوجيا أوروبية جديدة و خطرة تزحف ببطء نحوهم و ربما يشبهونها بخطر الشيوعيين سابقا . و لا يكف الأمريكيون عن تذكير الأوروبيين و الفرنسيين بأنهم هم من أنقذهم في حربين عالميتين و أنه يجب عليهم إنقاذهم الآن من غفلتهم و إلى الحظيرة الأمريكية . و لكن هؤلاء المتشددين يجهلون انه لولا التدخل الفرنسي لما تحررت الولاياتالمتحدة من ربقة الاستعمار البريطاني في الماضي . و لولا التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى سنة 1917 لاستطاعت فرنسا و بريطانيا إلحاق الهزيمة بألمانيا و لكن افسد التدخل الأمريكي ذلك و أوصل الجميع إلى معاهدة فيرساي التي كانت أحد الأسباب المهمة في ظهور أدولف هتلر و قيام الحرب العالمية الثانية . و ترسخت في أذهان الأمريكيين فكرة أن أمريكا لوحدها تغلبت على ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية . لكن الأمر الذي يجهلونه هو أن الاتحاد السوفيتي كان له دور رئيسي في هزيمة الألمان حين دمر اكثر من 100 فرقة عسكرية خلال معركة التايتانيك على الجبهة الشرقية و التي جعلت من معارك الأمريكيين و الفرنسيين و البريطانيين ضد الألمان مجرد نزهة إذا ما قورنت بمعارك السوفيت . و ما يؤكد هذا الأمر هو انه حين تأهبت الولاياتالمتحدة للإنزال الشهير في نورماندي شمال فرنسا كانت الآلة العسكرية الألمانية قد تكبدت خسائر فادحة في أسطولها البحري و الجوي . و يحاول الأمريكيون عادة إلصاق تهمة الجبن بالمقاتلين الفرنسيين خلال الحرب العالمية الثانية . تلك الحرب التي فقدت فيها فرنسا حوالي 210000 من قواتها المقاتلة ضد الاحتلال الألماني . و تلك كانت حربا على كل حال و حتى خط ماجينو لعب دورا مهما على عكس الاعتقاد الشعبي السائد , حتى أن خط الدفاع الأمريكي كوريجدور فشل فشلا ذريعا وقتها برغم الأكاذيب و التضليل الإعلامي . و أمريكا نفسها فقدت حوالي 292000 من جنودها على الجبهتين الأوروبية و في الباسفيك أمام اليابان . و لكنها ليست الوحيدة فمثلا فقدت بولندا لوحدها 320000جندي و حتى رومانيا التي لم تتورط في الحرب كثيرا فقدت 300000. جندي . و بشكل عام يمكننا القول أن أوروبا و معها الاتحاد السوفيتي فقدوا 13 مليون جندي و 25 مليون مدني لقوا حذفهم في تلك السنين المروعة و ارتفعت هذه الأرقام بشكل خاص حين فتحت ملفات روسيا السرية . أوروبا إذا تعلم اكثر من غيرها الآثار المدمرة للحروب و 9/11 لم تكن إلا صورة مبسطة جدا إذا ما قورنت بأهوال الحرب العالمية الثانية التي أتت على الأخضر و اليابس . و الأوربيين أنفسهم لم ينسوا مغامراتهم المدمرة خلال حقبة الاستعمار و ما اقترفوه في حق تلك الشعوب الضعيفة . و لكن أمريكا لا تأبه بذلك كله و تريد أن تعيد التاريخ من جديد و تغزو العراق في أول عملية غزو أمريكية واسعة بعد تجربتها الاستعمارية ضد كوبا و الفلبين قبل حوالي قرن من الزمن . و لكنها تدفع نفسها و شعبها إلى مصير مجهول و إلى آثار مدمرة قد تغيب عن فكرها الآن و هي في عز قوتها و غطرستها . و لكن يجب أن تعرف أن ضريبة الاستعمار غالية جدا و لن تكون أمرا هينا . و على عكس ما قد يعتقده البعض فبشكل عام الأوربيون و كغيرهم من شعوب العالم لا يكرهون الشعب الأمريكي و لكنهم يكرهون سياسات الرئيس بوش و يرفضون أحادية الرأي و هي السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية . و سياسات بوش تغذي بالفعل العداء المتزايد لكل ما هو أمريكي . و للأسف فالإدارة الأمريكية المهووسة بشيء اسمه العراق ترفض أن تعير أي اهتمام لكل النصائح الأوربية و لا تنصت إلا لأصدقائها من اليمين الإسرائيلي المتشدد مادام اليمين الأمريكي نفسه هو المسيطر على البيت الأبيض و على البنتاغون و ترفض رفضا قاطعا أية مشورة عربية أو حتى إسرائيلية إذا كانت قادمة من حزب العمل . و المضحك من هذا كله أن جورج بوش يدعي زورا و بهتانا أنه سيشن هذه الحرب دفاعا عن الأمن القومي الأمريكي . و لكن الرأي العام يسخر من حججه الواهية و يعلم تمام العلم أن النفط هو غايته و ليس أي شيء آخر . إن هذه الحرب الظالمة التي يريد بوش أن يدمر بها العراق سوف تقوض الأمن الأمريكي نفسه و أمن الأمريكيين في الخارج . ترجمة : حميد نعمان إيريك مارغوليس مجلة فورين كورينسباندنت