كم كانت صدمة الصحابي الجليل عبد اله بن مسعود عظيمة يوم أحد، بعد هزيمة المسلمين. سبب الصدمة آية من كتاب الله تركت الرجل مشدوها لا يكاد يصدق أن يكون من بين الصحابة المقاتلين من يريد الدنيا. قال الرجل: "إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر، أنه ليس منا أحد يريد الدنيا حتى أنزل الله (منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)..". وحسب هذا المشهد المؤثر وهذه الشهادة البليغة، لا يتميز من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة إلا في المغانم والمغارم. والحياة كلها مغانم ومغارم، أو لذة وألم. والإنسان كما خلق نفخة من روح الله تسمو وتعلو، وطين يتدلى إلى الأرض ويتدنى. وكم تمر عليه في اليوم أو الساعة حالات من الصعود والهبوط، والآلام واللذات تصفى منه القلب حتى يصير أبيض مثل السراج يزهر، وتخف أثقال التراب الذي يحمل روحه حتى يصير مثل جناح ملك من الملائكة، أو تملأ قلبه بظلمات بعضها فوق بعض حتى يصير ليلا بهيما إذا أخرج يده لم يكد يراها. ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور. وإذا كان ابن مسعود رضي الله قد ذهبت عنه الدهشة بعد نزول تلك الآية البينة، فلا ينبغي أن نندهش اليوم من وجود من يريد الدنيا في صفوف الذين يريدون إصلاحا وإحسانا وتوفيقا. فكم من مومن عضو في هذه الجماعة أو تلك، وفي هذا الحزب أو ذاك، يكتشف حقيقة نفسه وموقفه عندما تقف الدنيا أمام عينه تراوده عن نفسه وقد ازينت وتزينت وحلت واحلولت تقول له هيت لك. فإما أن يقول لها معاذ الله، وإما أن يهم بها هو الآخر. في أيامنا الحالية والتالية، يشتد التنافس في الساحات الحزبية من أجل الحصول على مقاعد في البرلمان وغرفتيه، وفي مقاعد الحكومة القادمة وما كان حزب العدالة والتنمية بدعا بين الأحزاب، ولا يدري هو نفسه ما يفعل الله به ولا بالأحزاب الأخرى، إن هو إلا تجمع من المغاربة الذين رفعوا لواء الإصلاح بالقيم الإسلامية في أنفسهم قبل بلدهم. ومع ذلك فإن سنة الله لا تحابى أحدا ولو كان نبيا رسولا، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون فيه من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة. أجل فيه من يريد الدنيا، وفيه من يريد الآخرة أيضا. فأعضاؤه بشر ممن خلق الله، أنفسهم خلقت من روح وطين، وإذا تمت المقارنة بينه وبين غيره ظهر الفرق ولاشك، فميزته الكبرى أن فيه من يريد الآخرة ويسعى لها سعيها، ويقدم المصلحة العامة للمغرب على المصلحة الخاصة للحزب والمصلحة الصغرى لنفسه. أما الآخرون فالله أعلم بهم وبحالهم، وهم كذلك يعرفون أنفسهم بأنفسهم. أعضاء حزب العدالة والتنمية ليسوا صحابة يقودهم بني خاتم، ولا حواريون قالوالعيسى عليه السلام نحن أنصار الله.. بل مغاربة من أبناء الصحوة الإسلامية الحالية، فيهم الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، فيهم من يريد الدنيا وفيهم من يريد الآخرة. ومن أكبر الأخطاء التي ارتكبت في حق رجال الصحوة ونسائها الصورة المثالية العالية لهم، والصواب أنهم من بني آدم، وآدم من تراب، يصيبون ويخطئون. فإن أصابوا فلأنفسهم يمهدون، وإن أخطأوا فإن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.. غير أن ما يميز حزب العدالة و التنمية أنه قد وضع آليات إن كانت لاتنزع التطلع البشري الطبيعي إلى الوجاهة و الرئاسة فإنها تمنع أن يتحول إلى قاعدة ينطلق منها الأشخاص في تزكية أنفسهم أو غيرهم، ،لذلك اعتمد آلية الترشيح الجماعي باعتبارها آلية تحقق التوجيه النبوي القائل : «إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سأله أو حرص عليه»، و التوجيه النبوي الذي يؤكد أن من سألها وكل إليها ومن لم يسألها أعين عليها. ومهما يكن من أمر فإنها مناسبة جديدة تتاح للحركة الإسلامية لتقييم أدائها التربوي إيجابا و سلبا. والحمد لله فإن الإيجابي فيه يرجح السلبي. وهذا الأخير لم يخل منه حتى الرعيل الأول من الصحابة الذين قال فيهم تعالى» منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة» حسن السرات