ينعقد أيام 26 و27 و28 ماي 2011 بأكادير مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب تحت شعار «إصلاح جهاز العدالة إرادة سياسية وتغيير جذري». و قد دأبت الجمعية على تنظيمه كل سنتين وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي، و هو اكبر تجمع للمحامين بالمغرب ، و تطرح خلاله مواضيع عديدة للنقاش تختلف بحسب الدورات. و تأتي الدورة الحالية في ظل ظروف سياسية استثنائية تعيشها المنطقة عموما و بلادنا على وجه الخصوص، فالمؤتمر ينعقد بعد ثورتين عظيمتين شهدتهما المنطقة، وقد لعبته هيئات الدفاع و نقابة المحامين في كلا البلدين دورا مهما في قيادة الثورتين و توجيهها للوصول إلى أقصى أهدافها، و لعل صوت الدفاع كان أول بل ابلغ معلن عن اندحار الدكتاتورية العربية و فرار رمز كبير من رموزها، تمثل ذلك في الصورة التي غزت الفضائيات، لمحامي تونسي يبشر بهروب الطاغية بن بنعلي، و هيا إشارة أن للمحامين دور ما يجب أن يلعبوه في إسقاط الدكتاتوريات و قيادة الشعوب إلى الحرية و الانعتاق. وقد امتدت شرارة الثورات إلى كل من ليبيا و اليمن و سوريا،معلنة بلوغ الربيع الديمقراطي العربي مداه و استحالة تهميش قوة الشارع و تدجين حركة الشعوب التي انطلقت بانطلاق أول شرارة من جسم الشهيد محمد البوعزيزي بسيدي بوزيد التونسية. يعرف المغرب أيضا حراكا شعبيا و سياسيا ومدنيا كبيرا، رافعا شعار التغيير في البلد، و انطلقت بعد 20 فبراير مسيرات الشباب معلنة نهاية مرحلة من تاريخ المغرب كان الشعب بمختلف فئاته مغيبا فيها، و مدشنة عودته و قواه كفاعل أساسي في الساحة السياسية، و أصبح الشعب اليوم يريد و يعبر عما يريد، و استطاع أن يحرك مياها راكدة و يوقظ النخب السياسية لتأييد مطالبه و تبني إرادته. و كان خطاب 9 مارس معلنا انخراط الملكية في سياق الإصلاح، و مؤكدا على بداية مرحلة جديدة في تاريخ المغرب قوامها دستور متوافق عليه، و إصلاحات سياسية و اجتماعية مواكبة. في ظل هذه الظروف ينعقد مؤتمر المحامين بالمغرب، و هو المعبر الأساسي عن إرادات المحامين و مواقفهم، إذ باستحضار هذه المعطيات فان المؤتمر الحالي يطرح محكوم برهان الانخراط في الدينامية السياسية التي تعرفها بلادنا بتكييف برنامجه و ورشاته مع السياق التاريخي الحالي، حتى يكون للمحامين دورهم الطبيعي المنوط بهم في حماية و تحصين الحقوق و الحريات و الإسهام في صناعة التغيير و حماية المكتسبات و تمتينها. إن اللجن و الورشات التي اعتادت الجمعية في مؤتمراتها السابقة أن تدرجها بشكل اعتيادي أصبح اليوم مطروح عليها تعميق النقاش و تكثيفه بما تقتضيه اللحظة السياسية الراهنة، وجب اليوم أن يكون مؤتمر محامي الحالي مؤتمرا استثنائيا في نقاشه و مضامينه و توصياتهّ، مؤتمرا يستحضر الواجب الملقى على عاتق الجمعية في التعبير عن تطلعات المحامين للتغيير و بناء دولة المؤسسات و إرساء دعائم الديمقراطية. إن المطلوب اليوم هو استحضار اللحظة التاريخية و الآمال التي يعقدها الشعب للانتقال إلى دولة المؤسسات و احترام القانون، وتوزيع الثروة بشكل عادل،و الأكيد أن للمحامين دور يجب أن يلعبوه في هذا الاتجاه، و الواجب اليوم أن يكون مؤتمر اكادير نقطة الانطلاق في اضطلاع المحامين بدورهم الطلائعي في التغيير. و بذلك تكون المواضيع ذات الأولية في المؤتمر، التي تفرضها اللحظة التاريخية أكثر من غيرها، هي ثلاثة: القضايا الوطنية : تكون مناسبة ليؤكد المحامون من خلالها عن مختلف توصيات المؤتمرات السابقة والمتعلقة بضرورة الإقرار الديمقراطي لدستور يضمن للشعب حق ممارسة سيادته الكاملة، يتيح توسيع مجالات السلطة التشريعية ويحد من ازدواجية الاختصاصات، مع تحيين هذه التوصيات و إعادة صياغتها. الحقوق و الحريات: المحامون كمدافعين عن الحقوق و الحريات بحكم تكوينهم وعملهم غير مقبول منهم اليوم المرور على الملف الحقوقي كغيره من الملفات بما له من ثقل و تاثير، المغرب يعرف انتكاسة حقوقية دشن لها اقرار قانون مكافحة الارهاب، ومنذ ذلك الوقت و الهيئات الحقوقية تسجل حالات الاختطاف و التعذيب و الاعتقالات خارج القانون، و المحاكمات غير العادلة، و انتهاك حصانة الدفاع، وقد كان صوت المحامين و هيئاتهم طيلة هذه المدة خافتا غير مسموع، اللهم ما كان من البعض بشكل فردي، الأمر الذي لم يعد مقبولا اليوم السكوت عنه أو تجاوزه، و هذا يطرح على المؤتمر رهان الخوض في الموضوع بما يقتضيه من جدية و أهمية و بما يلزم من وضوح. محور السلطة القضائية: و اقترح السلطة القضائية و ليس لجنة إصلاح القضاء، ذلك أن المغرب المستقل لم يعرف القضاء كسلطة بما تعنيه الكلمة من سمو و رفعة، كما أن المغرب لن يعرف قضاء مستقلا بشكل حقيقي و إن كان هناك قضاة مستقلون مشهود لهم بالكفاءة و النزاهة، و المحامون معنيون أكثر من غيرهم بموضوع إقرار سلطة قضائية باعتبارهم جزءا من أسرة القضاء، و كذا باعتبار إلمامهم بالمشاكل و المطبات التي يعاني منها الجهاز. إن انكباب المؤتمر على هذه المحاور هو أول الطريق لتدشين عودة هيئة الدفاع و المحامين إلى معانقة قضايا وطنهم و أمتهم، و تجنيبهم الانزواء إلى مكاتبهم و قضاياهم و ملفاتهم، و تبقى غيرها من المواضيع و المحاور غيرذات أولوية بالنظر إلى الظرفية الراهنة كما أن عدم مناقشتها اليوم لا يمنع من وضعها للنقاش في فرصة مقبلة.