شهد الحقل التعليمي توترات حادة في الايام القليلة الماضية ، ولعل أبرزها التدخل العنيف من طرف القوات العمومية في حق الاساتذة المجازين يوم السبت 26 مارس ، وذلك في هتك سارخ لحقوق الانسان ، وهدر كامل لكرامة نساء ورجال التعليم ، وتعد غير مشروع على حقوق هذه الفئة في تحقيق مطلبها العادل بالادماج في السلم العاشر بشهادة الاجازة . ولا يشكل هذا الحدث استثناء في التوترات التي يعرفها هذا القطاع ، كما تعرفها قطاعات أخرى ، مما يؤكد أن الحكومة المغربية الحالية ، دخلت في دوامة التخبطات والارتباكات التي لم يسلم منها أي قطاع من قطاعات الدولة في الآونة الاخيرة . لكن كيف تصاعدت هذه الاحتجاجات ؟ ومن المسؤول عنها ؟ وقبل ذلك وبعد هل يشكل قطاع التعليم ببلادنا أولوية ثانية بعد الصحراء المغربية ؟ من دون شك ، أنه مع انهيار حكم ''ابن على '' وتطير تونس من هذا المستبد، وبداية الثورة في مصر ، تأججت الاحتجاجات وسط الشارع المغربي ، وخصوصا من طرف الطلبة حاملي الشهادات العليا ، وقد كان التدخل ''الاستباقي '' هو دخول وزارة الداخلية على الخط ،وفرضت على السيد عباس الفاسي ، توفير مناصب لهؤلاء الطلبة في وزارة التربية الوطنية ، دون علم لهذه الاخيرة بمضامين هذا القرار ، فقد تلقته كجمرة حارقة في دهاليز وزارتها .لقد اعتقد المخزن أن الامر سيتوقف عند هذا الحد ، لكن المطالب مافتئت تتكاثر ، وبدات كل الفئات التي عانت طوال السنين الاخيرة ( المجازون ، المكفوفون ، دكاترة التعليم المدرسي ، العرضيون ...) تطالب بحقها في تسوية وضعياتها . إن الهاجز الأمني الذي تحركت به الوزارة الوصية ، وأم الوزارات (الداخلية ) يكشف بالملموس ، غياب استراتيجية مندمجة لعمل الحكومة ، وأيضا يكشف وهذا هو الأخطر أن الشعارات التي ترفع وتروج من كون التعليم قضية مركزية ، لا مكان لها وأنها مجرد دعاية للاستهلاك . وإلا كيف يعقل أن تحل وزارة التربية الوطنية مشكلا أمنيا على حساب جودة التعليم ، وعلى حساب فئات عريضة لها من الحقوق الشيء الكثير ، ومنها الأساتذة الموجزون الذين يشتغلون في القطاع ، ولم يستفيدوا من حقهم المشروع والطبيعي ، وهو الادماج في السلم العاشر ؟ وأيضا دكاترة التعليم المدرسي وغيرهم من الفئات ؟ إنني أعتقد أن هذه الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها وزارة الداخلية في هذا الملف ، عندما تجاوزت وزارة التربية الوطنية وحكومة السيد عباس الفاسي ، وفرضت أجندتها ،هي المسؤولة عن هذا الوضع .وخصوصا عندما اكتشفت أن تلبية جميع المطالب امر مستحيل ، وبالتالي الحل هو اللجوء إلى العنف ، في حق رجال ونساء قدموا ولا زالوا يقدمون الشيء الكثير لمصلحة الوطن . إن هذا الحادث المؤلم الذي يسيء لكل أفراد هذا الوطن ، وبشكل خاص إلى كل العاملين في القطاع التربوي ، ليؤكد من جديد أن الازمة التي يعيشها القطاع ، ليست أزمة قطاعية معزولة ، بل هي ازمة مجتمعية ، تشمل كل القطاعات ، لعل المتسبب في هذه الازمة هم صانعوا القرار المخزني في البلد ، واقصد بهم النخبة المتحكمة في تسيير شؤون البلاد ، والتي لا تظهر في الحكومة ، بل إنها تشتغل كحكومة الظل ، او الحكومة الموازية ، والتي لا يهمها الشأن التعليمي والتربوي ، ولا تكترت بالوضعية المتردية التي وصلها هذا القطاع .وقد يعترض علينا معترض أن الحكومة ضخت في السنوات الاخيرة مبالغ هامة في سبيل إنجاح البرنامج الاستعجالي ، بلغت في سنة 2011 ، 39 مليار درهم . لكن الذي لا يعرفه العديد من المواطنين أن هذه الأموال لم يعبئ منها ولو درهم واحد لجبر ضرر الفئات المتضررة ، والتي من بينها ( أساتذة التعليم الموجزون ) ، فهؤلاء وغيرهم لم يلمسوا آثار هذه المبالغ . بل الأدهى من كل ذلك أن جل المتتبعين اعتبروا أن غياب الحكامة الجيدة في تدبير هذه الأموال ، كشف عورات مدبري هذا القطاع . وعندما يقارن رجل التعليم ، بين وضعه ( هناك مدرسون قضوا أكثر من عشرين سنة في التدريس ، ولا زال أجرهم لم يراوح 4000 درهم )، ووضع بعض الفئات الأخرى ، يشعر بالغبن وبالضيم ، فعلى سبيل المثال ، في السنة الماضية استفاد رجال ونساء الأمن من زيادات مهمة بلغت 100 .وعندما يطالع مبالغ بعض المسؤولين في المؤسسات العمومية ، كمؤسسة المكتب الشريف للفسفاط ، والذي يتقاضى مديره العام ، ما يناهز 250000 درهم في الشهر ، بالاضافة إلى العلاوات ؟ فإنه يصاب بالدوار والحيرة ، كيف أن الحكومة تشكو من ضعف الميزانيات وعدم كفايتها ، والحال أن هناك فوضى كبيرة وخطيرة في منظومة الأجور في المغرب ، والتي أعتقد انه إن استمر الوضع هكذا فإننا سندخل في دوامة اختلالات مالية ، لا يمكن التنبؤ بمآلاتها . كل ذلك يبين أن استراتيجية الدولة / المخزن ، ليس التعليم ، بل الأمن وإرضاء الفئات النافذة ، والمحافظة على مصالحهم وضمان استمراريتها ، وخلق تمايز طبقي شاسع ، يقضي على الطبقات المتوسطة ويساهم في خلخلة توازن المجتمع وبنياته . إننا نعتبر أن ورش الاصلاحات التي دخلها المغرب ، وخصوصا ورش التعديل الدستوري ، لابد ان يصاحبه ورش لا يقل أهمية ، بل إنه رأسمالنا في المرحلة المقبلة ، وهو القطاع التعليمي ، والذي لا يجب التعامل معه كقطاع اجتماعي مستنزف للموارد المالية ، بل إنه القاطرة التي من خلالها يمكن تحقيق التنمية المنشودة ، ولا يتم هذا الأمر إلا من خلال إعادة الاعتبار إلى الاسرة التعليمية ، وإقرار عدالة أجرية تليق بمهامهم ، وبمسؤولياتهم ، وأيضا صيانة كرامتهم وحفظ حقوقهم ، فذلك أقدر على تحفيزهم على الانخراط الحقيقي في إنجاح هذا الورش، الذي يعرف تعثرات كبيرة وخطيرة ، وإذا لم يتدارك الأمر فإننا سنستفيق بعد أقل من سنتين على هول كارثة ، اسمها فشل البرنامج الاستعجالي .فهل من مجيب ؟