الخطاب الملكي تضمن رسالة قوية، وذلك لتجاوبه مع المطالب التي عبرت عنها مختلف مكونات الشعب المغربي في العديد المناسبات، وتراكمت عبر عدة مراحل وفترات. وقد عبر هذا الخطاب الملكي عن الموجهات والعناوين الكبرى لإصلاح دستوري شامل عنوانه الأبرز هو ترسيخ الديموقراطية ودولة الحق والقانون، ونعتقد أن هذا العنوان فيه إشارة واضحة للقطع مع أسلوب التحكم في الحياة السياسية من خلال حزب السلطة أو حزب الدولة وقبلها الأحزاب الإدارية، والتحكم في الحياة الاقتصادية من خلال هيمنة اقتصاد الريع، والتحكم في المشهد الإعلامي، وفي باقي مجالات الشأن العام بوسائل غير ديمقراطية. واضح من خلال هذا الخطاب أن رياح الثورة الديمقراطية ورياح التغيير التي يشهدها العالم العربي اليوم، قد هبت على المغرب كذلك، والذي استقبلها وتجاوب معها بطريقته وانطلاقا من تاريخه وواقعه. لا شك أن هذه العناوين الكبرى وخاصة المرتكزات السبعة التي تضمنها الخطاب وجعلها بمثابة الأسس أو المحددات الموجهة للإصلاح الدستوري الشامل، في ظل الثوابت الوطنية، التي هي الإسلام، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية، والخيار الديمقراطي، لا شك أن هذه العناوين تشكل ميثاقا جديدا بين الملك والشعب، ونرى أن المطلوب اليوم هو أن ننتقل إلى مرحلة العمل على تنزيل مقتضيات هذه العناوين، وخاصة توفير الأجواء المناسبة لاتخاذ قرارات قوية كفيلة بإنتاج دستور يرقى إلى تطلعات هذا الشعب المغربي العظيم الذي أثبت عظمته عبر التاريخ. ومن الأمور التي تساهم في توفير الظروف والأجواء الإيجابية والملائمة لهذا الإصلاح الدستوري الشامل هو أن يصاحب هذا الإعداد قرارات قوية لتجاوز مخلفات مرحلة الانتكاسة التي بدأت منذ 2003 إلى ,2011 ونعني بذلك معالجة ملف السياسيين الستة، وكذا التجاوزات التي عرفتها محاكمات ما يعرف بملف السلفية، وغير ذلك من الانتهاكات والتجاوزات. والمطلوب أكثر هو تعزيز وتوطيد التلاحم سواء على المستوى العمودي، أو على المستوى الأفقى بين مختلف مكونات الشعب المغربي بجميع فئاته وتوجهاته، من أجل تكاثف الجهود وتظافرها لاستئناف مهمة بناء هذا الوطن على أسس جديدة يتفق عليها الجميع وتلبي طموح الجميع، وذلك بالانخراط في دورة جديدة للفعل الحضاري للمغرب والمغاربة، والمساهمة في ما تعرفه الأمة من استعادة لنهضتها الحضارية.