متابعة الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، أمام القضاء، تقدم درسا جديدا عن معنى دولة الحق والقانون. وتدعو الدول العربية والاسلامية إلى احترام قاعدة عدم الافلات من العقاب مهما كان الشخص ووضعيته. ولأن القانون في الدول الديمقراطية فوق الجميع، لم تشفع ل''جاك شيراك'' حصانته المعنوية لكونه كان رئيسا سابقا، ولا سنوات عمره الثمانية والسبعين في الإفلات من المتابعة القضائية عن أحداث تعود إلى بداية تسعينات القرن المنصرم، عندما كان رئيسا لبلدية باريس. ويمثل شيراك أمام المحكمة بسبب اتهام موجه له بكونه سمح هو أو بعض معاونيه في البلدية لقرابة 28 من أعضاء من حزبه بتلقي أجور من ميزانية البلدية عن وظائف وهمية، ويتعلق الأمر بواحد وعشرين منصب شغل شبح بالنسبة لبلدية باريس نفسها بالإضافة إلى سبعة وظائف شبح أخرى في ضاحية نانطير. وهذه القضية بدأ الاهتمام القضائي بها منذ خروج شيراك من الإليزي وسقوط الحصانة الرئاسية عنه، وذلك على الرغم من الاحترام الخاص الذي يحظى به الرجل بين أنصاره وخصومه على السواء، فقد صرح ''فرانسوا هولاند'' الكاتب الأول الأسبق للحزب الاشتراكي الفرنسي بأنه ''يكن لجاك شريك كامل الاحترام'' كما كانت ''سيغولين روايال'' مرشحة الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة قد قالت حينها في دعوة إلى التجاوز عن ذلك: ''إن جاك شيراك'' قدم لوطنه فرنسا الكثير من الأعمال الجليلة، فدعوه في سلام وكفوا عن التضييق عليه''. وبما أن القضاء في فرنسا مستقل، فلا أحد يملك أن يتسامح في ما لا يملك من مال عمومي هو ملك للشعب وللوطن المسؤولون مكلفون فقط بتسييره، وليس امتلاكه. فأين نحن هنا من الزعماء العرب الذين يتصرفون في شعوبهم وفي ممتلكات أوطانهم كما يتصرف الشخص في ماله وممتلكاته، بل ويطلقون أيدي أبنائهم ونسائهم ليفعلوا ما يشاؤون ضدا على القانون مطمئنين إلى ألا أحد يملك أن يسائلهم، وأن يد القضاء عاجزة عن الوصول إليهم؟ بل أين ثمانية وعشرين منصبا شبحا يُتابع فيها شيراك الرئيس السابق لإحدى أكبر الدول في العالم، مقارنة مع جيوش الموظفين الأشباح الذين لا يعرفون حتى عناوين مقرات عملهم في مختلف دول العالم العربي والإسلامي؟ وليس بعيدا منا: أين ثمانية وعشرون منصبا شبحا من الثلاثين ألف موظف شبح اكتشفهم زعيم حزب التقدم والاشتراكية الأستاذ إسماعيل العلوي في وزارة التربية الوطنية وحدها، منذ أن دخل مكتبه فيها وزيرا في أول حكومة للتناوب، فسارع إلى الإعلان عنهم وعن نيته في إرغامهم على الالتحاق بأماكن عملهم، قبل أن يكتشف من يكون هؤلاء الأشباح فيصمت، كما لا زال غيره صامتين عن طوابير المستفيدين من اقتصاد الريع ضدا على كل القوانين؟ ليست الديمقراطية شعارات يلَوَّح بها لتزيين الواجهة. بل الديمقراطية ثقافة وممارسة و إخضاع الجميع لنفس القانون ولنفس المكيال.