أكد الأستاذ العربي المودن وعبد المجيد محيب عضوا المجلس العلمي المحلي للرباط على أهمية كفالة الأيتام والمهملين حتى يشعر هؤلاء بأن المجتمع حماهم من البؤس والشقاء ووفر لهم حقوقهم الأساسية. وشددا في جلسة حوارية مع ''التجديد'' على ضرورة مأسسة موضوع الكفالة بإنشاء مؤسسات وهيئات متخصصة في كفالة اليتيم، واستثمار باب ''مصارف الزكاة'' باعتباره من المداخل الأساسية التي يجب أن تفعل من أجل مأسسة الكفالة حتى لا تبقى مرتبطة بمبادرات فردية لأشخاص. ونبه المتحدثان من قيام بعض الأجانب الذين يعلنون إسلامهم بالتكفل بأطفال مغاربة، مشيرين إلى أن الكفالة من هذا النوع من الناحية الشرعية والرؤية الاستشرافية يجب أن تضبط حتى لا يتم تنصير الأطفال المغاربة تحت عنوان الكفالة. كيف ينظر الإسلام إلى موضوع كفالة الأطفال وما هو أجر المتكفل؟ العربي المودن: الإسلام يأمرنا بهذا الجانب أي التكافل الاجتماعي وقد ورد في سورة آل عمران أن مريم كفلها زكريا عليه السلام، والكفالة موضوع طويل وشامل في الشريعة الاسلامية، و المغرب باعتباره جزءا من الدول الإسلامية فإنه حاضر في عدد من المبادرات ويكفي أن نذكر أن أمير المؤمنين الملك محمد السادس بعد زلزال الحسيمة أمر باعتبار الأولاد الذين مات آباؤهم في هذا الزلزال من مكفولي الأمة، والكفالة لها دور مهم في الوقوف إلى جانب هذه الفئة التي أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تعيش وأن تتربى وأن تتعلم وأن يكون لها حقوق مثل ما للآخرين، والقرآن الكريم سواء كان مكيا أو مدنيا اهتم بشأن اليتيم، ففي القرآن المكي أمرنا الله تعالى بأن نتعامل بحنان وعطف مع اليتيم مثلا في سورة الماعون ''أرآيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين'' والأمر هنا بالعطف والإطعام وحتى إذا لم يكن الإنسان المسلم لديه ما يطعم به اليتيم، فعليه أن يحض غيره على ذلك، لكن القرآن المدني جاء بتفصيل وجاء بتشريع لهذه الكفالة، فمثلا في سورة النساء قال الله تعالى ''يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام'' ثم انتقل الله عز وجل بعد ذلك للحديث عن اليتيم، لماذا؟ الله عز وجل ذكر أن الإنسان يعود إلى أصل واحد لكن الحق سبحانه أفرد الحديث لليتيم لأن هذا اليتيم الذي فقد أباه أو فقد والديه أصبح معرضا للإهمال وربما الناس لا يلتفتون إليه، لذلك أوصى الله سبحانه وتعالى المسلمين بهذا اليتيم لا من حيث الاهتمام بماله وتربيته و تعليمه وغير ذلك ولا من حيث الاهتمام بأن يكون هذا اليتيم منخرطا في مجتمعه حتى لا يشعر بمركب نقص حين يفقد أباه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا خيرا على اليتيم فيكفي أنه قال ''أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة'' وأشار بالسبابة والوسطى'' ثم إنه عليه الصلاة والسلام ولد يتيما وقد امتن الله عليه في سورة الضحى وقال ''ألم يجدك يتيما فآوى'' وقد أسقط الله تعالى ''كاف'' الخطاب في الاية حتى لا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء في صدره. والأمة المغربية بدورها متأصلة ومتجذرة منذ 31 قرنا وزيادة تعبد الله بهذا الدين ولا تعبده فقط بعبادة الصلاة والصيام وإنما تعبده العبادة المتمثلة في الاهتمام بالمجتمع وكافة شؤونه ومنها الاهتمام باليتامى حيث إن عددا من المغاربة المحسنين أوقفوا أموالهم وأراضيهم ودورهم في سبيل أن يعيش هؤلاء اليتامى سواء كانوا صغارا يتربون أو كانوا طلبة علم يتعلمون. لكن بعض الممارسات تتنافى مع الرؤية الإسلامية بحيث يتم فعلا التكفل باليتيم من قبل بعض أفراد العائلة ولا يتم رعايته إلا من أجل ماله؟ العربي المودن: مسألة كفالة اليتيم في الرؤية الإسلامية تقوم على أن جميع الأبناء يجب أن يشعروا بأن المجتمع حماهم من البؤس والشقاء، وقد حذر الله تعالى الأوصياء على اليتامى أن لا يأكلوا أموالهم وحذرهم من التبديل، وهذا أمر موجود في البوادي فبعض الأولياء يكفلون يتيما ترك له والده ثروة، فيأخذون ماله سواء كان قطيعا أو أرضا وعندما يكبر اليتيم يختار الجزء الضعيف من الثروة ويعطيها له، والإسلام شدد على الأولياء وعلى الأوصياء حتى لا يقوموا بمثل هذا السلوك، ومن أراد أن يكفل يتيما فإنه لا يقوم بأمر مجاني بل سيتقاضى أجره من الله عز وجل، وبالتالي ينبغي أن يكون واعيا وأن يكون أمينا وأن يكون شاعرا بأن هذا اليتيم كولده سيان، وإذا أراد أن يخصص لليتيم الذي رباه شيئا من ماله فله ذلك بأن يوصي له بالثلث أو أقل كما يمكنه أن ينزله منزلة أحد أبنائه بمعنى يحضر عدلين ويشهدهما على أنه ينزل هذا الإبن منزلة أحد أبنائه ويرث معهم على أساس أن لا يتعدى الثلث وهذا غير الوصية وطبعا هناك مسائل أخرى مثل الهبة والصدقة. هل يدخل في كفالة اليتيم حتى الأطفال مجهولو النسب وكذا المهملون أو المشردون؟ عبد المجيد محيب: هناك فرق بين اليتيم وبين المهمل، فاليتيم هو من فقد أباه أو أبويه وكان في سن معينة إذا تجاوزه لا يسمى يتيما أما المهمل فهو الذي أهمل ولا يجد من يعوله في شؤونه فلابد من العناية به، والإسلام نظر إلى المهمل كما نظر إلى اليتيم، ورعاية اليتيم مستلزمة لرعاية المهمل سواء كان مهملا في الشوارع أو غيرها لكن الأساس الذي أريد أن أشير إليه هو أن الكفالة يجب أن لاتبقى مجرد محاولات فردية تطوعية من الأفراد، بل لابد من مأسسة الكفالة باعتبارها مؤسسة تحمي الأطفال وتحفظ حقوقهم الأساسية وتوفر حاجاتهم الضرورية من ملبس ومأكل وتعليم وحتى الرعاية النفسية والاجتماعية. والمهمل كذلك يلحق من حيث العناية والرعاية باليتيم، والإسلام عندما تحدث عن الكفالة تحدث عنها في بعدها النفسي والاجتماعي حتى لا يشعر اليتيم أو المهمل بالنقص أو الدونية وحتى يتوفر له الضروري من الحياة. تكلم الأستاذ المودن حول اليتامى في الإسلام وكيف حض على العناية بهم ونماذج للعناية باليتيم وحقوقه، كيف تقيمون الآن واقع الكفالة في المغرب؟ عبد المجيد محيب: الكفالة لا زالت تتسم بطابع فردي غير منظم ولم يتم التوجه نحو جعلها قائمة على أسس واضحة بإنشاء مؤسسات وهيئات متخصصة في كفالة اليتيم، ولابد من الإشارة إلى أن الإسلام قد فتح أبوابا خاصة فيما يتعلق بمصارف الزكاة، فالمصرف الذي يرتبط ب ''في سبيل الله'' يدخل فيه كفالة اليتيم والمهمل، وقد توسع العلماء في هذا المصرف وهذا المدخل هو من المداخل الأساسية التي يجب أن تفعل من أجل مأسسة الكفالة حتى لا تبقى مرتبطة بمبادرات فردية لأشخاص وحتى يكون تأثيرها في المجتمع شموليا. وأضيف أنه ليس من شروط التكفل أن تأتي بالمتكفل إلى بيتك وتعتني به وسط أولادك، بل هناك صيغ أخرى يمكن أن تكون من خلال المؤسسة بتوزيع الضروري على اليتيم من حيث العيش والملبس والمأكل والتدريس، وهذه المسألة يمكن أن تؤصل انطلاقا من التفكير الجماعي والرؤية الجماعية لنظام الكفالة. لكن ما ينبغي أن ننبه إليه هو قيام بعض الأجانب الذين يعلنون إسلامهم بالتكفل بأطفال مغاربة، وقد أصبحت الكفالة بهذا الشكل مجرد إجراء إداري، ولكن المسائل التي ينبه إليها أن تلك الكفالة من الناحية الشرعية والرؤية الاستشرافية يجب أن تضبط وفق مقاييس ومقاصد تمكننا من الحفاظ على عقيدة أبنائنا المغاربة، لأنه يتم تنصير أطفالنا تحت عنوان الكفالة. في هذا الموضوع تقوم المجالس العلمية أحيانا بإعطاء رأيها حول تكفل الأجانب بأطفال مغاربة كجزء من الإجراءات التي يقوم بها طالب الكفالة الاجنبي، ما هي الضوابط التي تحكم هذه العملية؟ العربي المودن: بالنسبة لنا في المجلس العلمي المحلي للرباط هذه النماذج كانت تأتي وكان يحرر رأي فقهي في الموضوع بناء على بعض الوثائق، لكن إذا سلمنا بأن هذا الشخص جاء بشهادة إسلامه وربما بزوجته معه وأنه وقع التزاما بأن يبقى هذا الولد مسلما فماذايحصل؟ ضبطنا في بعض الظروف أن أحد المتكفلين الذين تكفلوا بطفل ما، لكن عندما عاد هذا الرجل يريد طفلا آخر، تبين من المناقشة معه أن الطفل الأول الذي تم التكفل به قد تم تغيير اسمه، وهذا الطفل اندمج في مجتمعه الغربي الجديد وأصبح يعيش القداسات التي تقام في الكنائس. فنحن نطرح سؤالا على أنفسنا: هل يمكن أن نساعد في تنصير أبنائنا، هل نساعد في أن نكثر أبناء الآخرين؟ فحاولنا في إطار رؤيتنا داخل المجلس في الرباط أن نتوقف وأن نتريث ونرى إلى أي حد هؤلاء الناس صادقين في دعواهم الإسلام وهذا بالنسبة للأجانب، أما بالنسبة للمغاربة سواء كانوا قاطنين داخل المغرب أو خارجه فدورنا يقوم على التعرف على حالته المادية، وهل يمكنه أن يؤمن الحياة الكريمة لهذا الطفل، وهل له دخل قار وسكن، هل سيعلمه ويعالجه يعني شروط الحياة الأساسية، آنذاك نسلم له الطفل. لكن ما ينبغي أن نؤكد عليه هو ضرورة أن تكون هناك مراقبة ومتابعة بمعنى أن الشخص المتكفل ينبغي أن يزور المجلس بين الفينة والأخرى حتى نرى هذا الطفل وكيف هو وضعه. هل هناك ضوابط أخرى أو شروط ينبغي تفعيلها حتى تحقق الكفالة المقصود منها؟ عبد المجيد محيب: من بين الشروط التي توصلنا إليها وتستند إلى دراسات نفسية اجتماعية وهي تشديد شروط التكفل بالنسبة للمرأة التي لم تكن متزوجة وقد تبين عن طريق دراسات أن أغلب النساء اللواتي تقدم بهن السن يمارسن ممارسات شاذة فيما يتعلق بالمعاملة التي تكون مبنية احيانا على القسوة مع الطفل، فمن بين الشروط التي أضفنا عدم الموافقة في حالة ما إذا كانت الأم عازبة وكذلك من باب سد الذريعة التريث فيما يخص الأجانب الذين يشهرون إسلامهم، المسألة الأخرى تتعلق بالدعم النفسي والاجتماعي لليتيم أو المهمل لذلك ينبغي تفعيل ما يسمى المتابعة والمراقبة، فالكفالة لا يجب أن تكون مجرد عقد أو معاملة مثل عقد البيع والشراء الذي يصح به الملك والانتفاع ولكن الكفالة هي عملية إحسانية وخيرية ولابد أن نعمل دائما في إطار المتابعة والمراقبة حتى يعيش ذلك الطفل في جو اجتماعي ونفسي متوازن وهذه الرقابة هي التي تجعل من تلك الكفالة أداة شرعية تضمن لذلك الصبي التوازن الاجتماعي والنفسي وتحقق الأهداف التي شرعت من أجلها الكفالة.