ما رأيكم في الإضراب الذي يخوضه كتاب الضبط و الذي استمر قرابة أربعة أشهر بمعدل ثلاثة أيام كل أسبوع، هل تؤيدونه أم تحتجون عليه ؟ بطبيعة الحال نحن كمحامون نتفهم الأساس الذي بني عليه موظفوا كتابة الضبط إضرابهم، كما نؤيدهم جملة وتفصيلا في أحقيتهم بالمطالب المشروعة والعادلة التي يطلبونها والتي لا تخرج عن تحسين وضعيتهم الإدارية والمادية والمعنوية. لكن رغم كل ما سبق، ورغم أن دور كتابة الضبط مهم و حيوي في مساعدة القضاء والعدالة بصفة عامة، فإنه ينبغي على كتاب الضبط أن يفهموا على أن الإضراب هو وسيلة احتجاجية لشد الإنتباه لصدق مطالبهم، وأنه يمكن أن يكون هذا التعبير بوسائل أخرى غير التغيب عن العمل واستغلال ''الإضراب'' كعطلة للاستجمام، فيمكن أن يكون بوقفة زمنية قصيرة يرددوا فيها مطالبهم، كما يمكن وضع شارات ترمز إلى الاحتجاج، وما إلى ذلك من وسائل تعبيرية حضارية، لا تجعل العمل يتوقف والحقوق تضيع. لكن، من حق كتاب الضبط أن يحتجوا لتحقيق مطالبهم كما يخول لهم القانون ذلك، لكن ليس من حقهم الإعتداء على حقوق الغير من خلال تعطيل العدالة. ما تعليقكم ؟ هذا مؤكد فالإضراب حق مشروع ينص عليه الدستور المغربي، و رغم عدم صدور قانون تنظيمي يبين بشكل دقيق شروط ممارسته، فإن القضاء المغربي أكد مشروعيته وقانونيته. لكن الإضراب الذي قام به موظفوا كتابة الضبط بالنظر إلى المدة الزمنية الكبيرة التي إستغرقها أضر بشكل كبير بشريحة كبيرة من المجتمع المغربي حيث انتشر العبث و التسيب داخل المحاكم، و أصبح المحامون بين مطرقة تعطيل جهاز العدالة، و سندان موكليهم الذين يطالبونهم بنتائج إيجابية وسريعة. وهكذا يتبين أن موظفي كتابة الضبط وإن مارسوا حقهم المشروع في الإضراب فإنهم تعسفوا في استعماله مما خلف آثارا سلبية على جميع المستويات. وهنا يبقى إخراج القانون التنظيمي إلى حيز الوجود مطلبا ملحا وضروريا وذلك حتى تتضح الصورة ويتم القضاء على الفراغ التشريعي الذي يستغل للقيام بممارسات تجعل من حق الإضراب حق أريد به باطل. من المسؤول مباشرة عن الشلل الذي صارت تعرفه المحاكم بسبب الإضراب، كتاب الضبط، النقابات أم الجهات المعنية التي تماطل في تحقيق مطالبها؟ هناك العديد من الأراء التي حملت جهة دون أخرى مسؤولية هذا الإضراب، فهناك من اعتبر أن الإضراب هو إضراب حكومي مخزني تقوده نقابات الأحزاب المخزنية ويدخل ضمن خطة فرض حصص معينة في تولي منصب وزير العدل. وهناك من يلقي اللوم على التدبير السيئ لهذا الملف من قبل وزارة العدل باعتبارها الوزارة الوصية مع ملاحظة أن السيد وزير العدل، محمد الناصري عبر في خرجاته الإعلامية عن تبنيه لمطالب كتاب الضبط مما يجعل صقور وزارة العدل ولاسيما السيد الكاتب العام لوزارة العدل هو من الأشخاص الذين يقفون حجر عثرة أمام تسوية ملف الوضعية الإدارية والمالية لموظفي وزارة العدل، وهناك رأي يحمل المسؤولية لوزارة المالية على اعتبار تذرعها الدائم بالأزمة المالية العالمية لمنع تخصيص ميزانية إضافية لتغطية مطالب موظفي كتابة الضبط ،إضافة إلى الحسابات السياسية الضيقة للسيد وزير المالية صلاح الدين مزوار في علاقته بحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال الذي ينتمي له السيد الوزير الأول، وانعدام التنسيق والتجانس الحكومي، ووجود سياسة فرق تسد. وهناك من يرى أن الحكومة من خلال وزارة وزارة قامت بواجبها وأن وزير العدل قام بجلسات حوار مع ممثلي المضربين، زادت عن عشرين جلسة، تحققت خلالها بعض المكاسب، منها ما له صبغة اجتماعية، وما تعلق بتحسين الوضعية المادية، التي لم تقنع المضربين ربما نظراً لتواضعها ولطبيعتها المؤقتة. كما أن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط، الذي يشكل مطلباً جوهرياً في مقدمة المطالب التي تناضل من أجلها المركزيات النقابية، الممثلة لموظفي كتابة الضبط، هذا القانون الأساسي أعلن السيد وزير العدل بصفة رسمية، أنه يأخذ مساره التشريعي ، في تناغم مع رغبات النقابات. وأنه كان من المفترض أن يواجه اهتمام وزارة العدل بانشغالات كتابة الضبط، ودينامية الحوار الجارية باستمرار، والبحث الدؤوب عن إمكانيات الاستجابة لما هو ممكن من المطالب بصفة آنية، بتفهم المضربين، وتعليق الإضراب والعودة إلى العمل ولو بصفة مؤقتة، مما قد يخلق بيئة طبيعية، ويعطي لوزارة العدل فسحة زمنية لالتقاط الأنفاس، وترتيب الأوضاع، دون إكراه أو محاولة استغلال، بتوظيف هامش الحرية - على تواضعه المتوفر ببلادنا، بطريقة تعسفية. وبالتالي فإن المركزيات النقابية هي المسؤولة عن هذه الوضعية الكارثية. لكن الملاحظ هو أن هذه العوامل مجتمعة ساهمت في استفحال الكارثة، وفي حدوث الأزمة، زيادة على عدم وجود ثقافة الإضراب لدى الموظفين الذين يعتبرون الإضراب مجرد عطلة مؤداة عنها. إضافة إلى وجود بعض التمييز في التعامل مع بعض القطاعات فموظفي كتابة الضبط لا يستسيغون الزيادات المهمة التي استفاد منها موظفي الشرطة مع العلم أن الأعباء التي يتحملها موظفي كتابة الضبط لاتقل جسامة وخطورة عن الأعباء التي يتحملها رجال ونساء الإدارة العامة للأمن الوطني. في ظل ضياع حقوق المحامين والمتقاضين، ألم تفكر هيئات المحامين بردود فعل لحفظ حقوق موكليهم؟ بالفعل المتضرر الأول و المباشر هم المحامون ومن خلالهم المتقاضون، وقد كان موقف رجال الدفاع منقسما حول موضوع إضراب موظفي كتابة الضبط بين اتجاه يستنكر الممارسات التي قام بها موظفوا قطاع العدل والتعطيل الذي عرفه قطاع العدالة، وبين اتجاه فضل الصمت على اعتبار أن كل احتجاج سيبدو موجها ضد الموظفين البسطاء وسيكون لصالح الحكومة التي لم تحسن تدبير هذا الملف. وهناك بعض هيئات المحامين التي اتخذت مواقف صريحة تندد بطول مدة الإضراب وتعطل سير مرفق القضاء من بينها هيئة المحامين بالرباط التي نظمت وقفات احتجاجية عبرت عن استنكارها لهذه الوضعية غير السليمة، لكن يبقى أبرز موقف هو الذي اتخذته هيئة المحامين بخريبكة، حيث قاموا في سابقة من نوعها بخوض اعتصام لمدة عشرة أيام، وقد لوحظ أن هذا الاعتصام قد أتى أكله، وساهم في إعادة الانضباط ، وفي السير السليم لعمل كتابة الضبط. ألا تعتبرون أن الاستمرار في الإضراب بهذا الشكل شطط في استعمال حق مشروع؟ أظن على أنه وصل السيل الزبى، وأن الاستمرار في الإضراب بهذا الشكل بالإضافة إلى أنه يعتبر مهزلة ويساهم في تعطيل حق من أهم حقوق الإنسان الذي هو ''الحق في الولوج إلى العدالة''، فإنه يشكل تجاوزا في استعمال حق مشروع، بشكل يؤثر بشكل سلبي على مشروعية حق الإضراب. وأرى على أنه يمكن استبدال ''العطل الدائمة'' لموظفي كتابة الضبط بأشكال تعبيرية جديدة تبين الاحتجاج وعدم الرضا بالوضعية الإدارية والمالية، لكن مع الحفاظ على السير الطبيعي والسليم والسلس لقطاع العدالة. وينبغي على الجميع تحمل مسؤولياته في هذا الاتجاه، وتقديم تنازلات تقرب المسافات، وتمهد لإيجاد الحلول، لإصلاح قطاع العدل، باعتباره من أهم آليات تحقيق التنمية المستدامة.