سبق في مسألة: هل يمنع الحدث الأصغر مس المصحف؟ أن أوردنا اتفاق جمهور العلماء على أن الحدث الأصغر يمنع من مس المصحف، وأوردنا ما اعتمدوه من أدلة في ذلك مثل: ما جاء في الموطأ عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:'' أن لا يمس القرآن إلا طاهر'' وغيرها من الأدلة في ذلك. وختمنا المسألة بما ذكره بعض العلماء بجواز حمل المصحف ومسه للمعلم أو المتعلم، لما يلحقهما من الوضوء لذلك من المشقة كلما أحدثا، وقد يكون ذلك في الأوقات التي يثقل فيها مس الماء، فيكون ذلك سببا في المنع من تعلمه''ومن كان في حكمهما أخذ حكمهما. ولا شك أن الحائض كما الجنب يشملهما الحكم من باب أولى في عدم جواز مس المصحف، إلا ما يمكن أن يكون من الترخيص للحائض لحاجة التعليم والتعلم ومراجعة المحفوظ خشية النسيان، وكلما وجدت أن تؤدي تلك المهام في غير مصحف فهو أفضل وأحوط وأكمل كالقراءة من حاسوب أو سماع من شريط أو غير ذلك، وأما الجنب ففي مقدوره رفع الحدث بالاغتسال أو ما يقوم مقامه عند العذر. ويجيز المالكية للحائض قراءة القرآن تمييزا لها عن الجنب الذي ورد في شأنه حديث أورده الترمذي وغيره بسنده وضعفه الألباني عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا'' قال الترمذي حديث علي هذا حديث حسن صحيح وبه قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، قالوا يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق. وعند النسائي وضعفه الألباني أيضا عن علي قال: ''كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة'' وقال ابن حزم في المحلى في شأن هذا الحديث ''وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ ، عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ , وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام لاَ يُلْزِمُ , وَلاَ بَيَّنَ عليه السلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ عليه السلام تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ '' وأقول: إذا ثبت الحديث، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل وقد أمرنا باتباعه والاقتداء به ما لم يكن الأمر خاصا به وليس هناك دليل على الخصوصية فصح استدلال الجمهور به بخصوص الجنب إلا أن يكون الخلل من جهة السند فلم يشر إليه ابن حزم. وقال القرافي في الذخيرة (1/379) بخصوص تمييز الحائض عن الجنب:'' وأما جواز القراءة فلما يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض، والظاهر اطلاعه عليه السلام (...)(ولم أقف على رواية حال عائشة أو غيرها بخصوص القراءة أثناء الحيض) والفرق (...) أن الجنابة مكتسبة، وزمانها لا يطول بخلاف الحيض'' وقال بعض المالكية: إذا انقطع عنها دم الحيض ولم تغتسل فهي كالجنب في المنع من القراءة لأنها ملكت أمرها. وقال القرافي في موضع آخر من الذخيرة (1/315):'' يفارق الجنب الحائض في جواز قراءة القرآن ظاهرا ومس المصحف للقراءة على المشهور في الحائض لحاجة التعليم وخوف النسيان'' أي يجوز للحائض ما لا يجوز للجنب، فتقرأ القرآن وتمس المصحف للتعليم والتعلم ومراجعة المحفوظ حتى لا ينسى. فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر ، حيث قاسوا الحائض على الجنب، وذهب آخرون إلى جواز قراءة الحائض للقرآن منهم مالك ، ورواية عن أحمد واختارها ابن تيمية وقال به الشوكاني ومن المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحمد صالح المنجد وغيرهم، وقالوا بأنه ليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض القرآن ، وبوجود الفارق كما تقدم بين الجنب والحائض فلا تقاس عليه، ثم ما في هذا الرأي من تضييق وحرج وتفويت حاجة التعليم والتعلم وتعريض المحفوظ للنسيان. وفي ارتباط مع الحائض وقراءة القرآن كما في الموطأ :'' سئل مالك عمن قرأ سجدة وامرأة حائض تسمع هل لها أن تسجد قال مالك: لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران، وسئل عن امرأة قرأت بسجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك: ليس عليه أن يسجد معها، إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرأها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة ''