المتابع لبعض المواقف الصادرة حول قرار البرلمان الأوربي الخاص بأحداث العيون يقف على مبالغات وقراءات متسرعة تحمل مخاطر تضليل السياسات والمواقف المطلوب اتخادها في مواجهة مناورات استهداف السيادة الوطنية والوحدة الترابية على مستوى الاتحاد الأوربي. ذلك أن العودة الهادئة لمجموع النقاش الذي دار في البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء الماضي ومشاريع القرارات السبع التي تقدمت بها المجموعات البرلمانية السبعة ومقارنتها بمشروع القرار النهائي، وتحليل حجم الموقعين على تلك المشاريع وموازين القوى داخل المجلس يساعد كثيرا على تنسيب حجم الخطر أي يمثله قرار البرلمان على مجموع العلاقات المغربية الأوربية من جهة، كما يمكن من تحديد استراتيجيات فعالة في الساحة الأوروبية للحيلولة دون تكرار ما حصل يوم 25 نونبر الماضي. أولى خلاصات تحليل ما وقع تكشف أن مجموع الموقعين على المشاريع السبع لم يتجاوز 58 موقعا من أصل 736 عضوا يشكلون مجموع أعضاء البرلمان، وأن نصف الموقعين هم من المجموعتين البرلمانيتين الخضر واليسار الأوربي الموحد وكلاهما يمثلان أقلية في البرلمان ومعروفان بمواقفهما العدائية ضد المغرب. أما المجموعتان البرلمانيتان الأساسيتان والمتمثلتان في كل من مجموعة حزب الشعب الأوربي ب265 عضوا، والذي يحتضن أحزاب الديموقراطيات المسيحية ومجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديموقراطيين ب186 عضوا، فقد كان عدد الموقعين منهم على مشروعي القرار جد محدود حيث وقع خمسة عن اليمين، إثنان منهم من إسبانيا وخمسة عن الاشتراكيين، أما باقي التوقيعات فقد توزعت على المجموعات الثلاثة الأخرى، وهو ما يعني أن الدائرة المطلوب استهدافها بسياسة تواصلية حول حقيقة ما حصل جد محدودة، ولا ينبغي في ظل ذلك السقوط في سياسة استعداء كلي تخدم في نهاية المطاف تضخيم قوة الخصوم على المستوى الدعائي. ثانيا، إن تدخل البرلمان الأوربي في قضية الصحراء المغربية ليس مسألة طارئة، بل إن البرلمان ساحة مستمرة في مجال تسجيل المواقف المتعلقة بالمغرب وقضية الصحراء، بل وأصبح ذلك مرتبطا بكل حدث يقع و بلغ إثر أحداث العيون في ماي 2005 اتخاد القرار بإيفاد بعثة إلى العيون في يناير 2009 أصدرت تقريرا سلبيا في مارس من نفس السنة، وهو القرار الذي سعت بعض المجموعات إلى الدفع في اتخاده إثر أحداث العيون الأخيرة لكن لم يتم الاتفاق حوله، وكان من الممكن أن يشكل تهديدا أكبر للسيادة الوطنية، ولهذا على الموقف الوطني أن يحذر من ترويج خطاب المفاجأة بل كان ذلك متوقعا والخطأ حصل في قصور التعاطي الاستباقي. ثالثا، لقد كشف النقاش أن الرهان الانفصالي يسعى إلى استغلال تقدم علاقة المغرب بالاتحاد الأوربي لاستصدار شروط تدفع المغرب إلى خيارين إما التراجع عن مقتضيات السيادة والوحدة أو تدمير كل ما حققه من تقدم وفشلت فيه باقي الدول المغاربية على مستوى العلاقة مع المجال الأوربي الذي يستقطب 65 في المائة من صادرات المغرب ويوفر 52 في المائة من وارداته، كما تجاوز حجم مخصصاته لبرنامج الشراكة والجوار مع المغرب 650 مليون أورو ل 2007/,2010 تلاها 580 مليون أورو ل 2011/,2013 فضلا عن تقدم مسار الوضع المتقدم والذي عقدت أول قمته له في مارس ,2010 ويطرح مسارا ثلاثيا على المستويات الحكومية والبرلمانية والمدنية، وهذا التوجه لوضع المغرب في الزاوية ومحاصرته بخيارين كلاهما سيء برز بوضوح في مشاريع قرارات المجموعات الهامشية كالخضر واليسار الأوروبي الموحد، ورغم أنه لم يصدر في القرار النهائي إلا أنه يكشف عن طبيعة المخاطر المستقبلية. رابعا، ينبغي أن نسجل بوضوح أن أي مجموعة من المجموعات السبع لم تتقدم بمشروع متوازن ينسجم والتوجه الذي صدر على صعيد مجلس الأمن، وأن فعالية ممثلي الحزب الشعب الإسباني في البرلمان وجدت في المقابل حالة فراغ لدعاة دعم الموقف المغربي على مستوى المشاريع، مع الإشارة إلى وجودهم أثناء المناقشة العامة التي سبقت صدور القرار، وهو ما يعني أن المغرب مطالب بإنهاء مرحلة الاستهانة الديبلوماسية بالبرلمان الأوربي والتوقف عن الاشتغال بمنطق ردود الفعل وإطفاء الحرائق، والتي كادت أن تؤدي في أبريل الماضي إلى صدور قرار من البرلمان الأوربي ضد المغرب لكن جرى التدخل في آخر لحظة أما في شهر نونبر فإن الثقة بقيادة البرلمان التي طمأنة المغرب بتأجيل النقاش لنفاجأ باتخاد القرار حوله أدت هي الأخرى إلى فشل كل جهود التدخل. إن درس قرار البرلمان الأوربي يفرض على بلادنا اعتماد استراتيجية جديدة تجاهه وإلا علينا توقع مزيدا من القرارات المستقبلية المهددة لسيادتنا ووحدتنا، والتي تنجح ليس قوة الخصم بل لضعفنا وقصورنا.