يشكل التعليم العالي أحد الركائز الأساسية لدعم التنمية بالمجتمع ، ولا يخفى على أحد الدور الحيوي الذي يضطلع به هذا السلك التعليمي ، فبه تقاس قيمة المجتمعات ، ومدى تحقيقها الاقتدار المطلوب ، خصوصا في زمن مجتمع المعرفة ، وثورة التكنولوجيات الحديثة . وقد عانى التعليم الجامعي لمدة طويلة من عدة عوائق بنيوية ، منها ما هو سياسي وما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي وأيضا استراتيجي ، إلا أنه مع اقرار البرنامج الاستعجالي ، كإحدى السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين ، دخل التعليم العالي مرحلة جديدة ، خصوصا عندما ثم إقرار مبدأ التعاقد بين الدولة والجامعات وفق مؤشرات وأهداف محددة ومضبوطة . وهذا ما تم إنجازه في السنة الماضية عندما وقعت بين يدي جلالة الملك 17 عقد لتنمية الجامعة ( أكادير 2009 ) وقد خصص لهذا الغرض مبالغ مالية هامة تشمل مرحلة البرنامج الاستعجالي ( 2009/2012) حيث خصص 8205493583 درهم كميزانية للتسيير (خارج الأجور ) و4430731750 درهم للإستثمار ، بما يعني أكثر من 12 مليار درهم ،وتعتبر من أكثر الميزانيات التي عرفها هذا القطاع في المغرب . ويشمل هذا التعاقد عدة أطراف ، الدولة والجامعات والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني والمكتب الوطني للجامعات للأعمال الاجتماعية والثقافية ، وقد شكل لتتبع سير عملية أجرأة الأهداف والمؤشرات المعلنة والمتفق بشأنها هيئة وطنية للتتبع والتقويم ، بالاضافة للهيئات التابعة للجامعات وللشركاء الآخرين ، وذلك بهدف ضمان السير الأمثل لعملية الاصلاح الجامعي . ومن بين الأهداف المعلنة في هذه التعاقدات : الرفع من الطاقة الاستيعابية للجامعة كما ونوعا ، وتأهيل العنصر البشري بما يتوافق مع البرامج الوطنية والقطاعية ، وذلك بالتركيز على الشعب العلمية والتقنية التي يحتاجهما سوق الشغل . تحسين الشروط العامة للتحصيل الدراسي للطلبة ، وذلك بالرفع من عدد المنح والمطاعم والاقامات ، وتوفير الدعم الاجتماعي للطلبة . ومن بين الأهداف العامة كذلك ، تقليص الهدر الجامعي ونسب الرسوب . هذا مع تشجيع البحث العلمي والتقني خصوصا الذي يستجيب لحاجيات المحيط السوسيواقتصادي ، وأيضا دعم التميز الجامعي ، وكذا إزالة كل العوائق والمشكلات التي تحول دون تحقيق الاصلاح الجامعي المنشود . انطلاقا من هذا السياق العام الذي دخله الاصلاح الجامعي ، نتساءل هل كان لهذه الأهداف والطموحات والمؤشرات من آثار على أرض الواقع ؟ وهل بدأ الاصلاح يأخذ طريقه نحو إقامة انعطافة جديدة في الجامعة ؟ أم أن الأمر لا زال يراوح مكانه ؟ وما هي مختلف الشروط والحيثيات التي لم يستحضرها صانعوا القرار التربوي ببلادنا ، لاقامة هذا الإصلاح ؟ في جزء من هذه الأسئلة التي شغلتها ونحن نتابع مجريات الاصلاح الجامعي ، نجد التقرير الذي صدر مؤخرا ( أكتوبر 2010 ) عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ( تقرير مرحلة 2010 ) والذي يتطرق بالتقويم والتتبع لمجريات الأجرأة العملية لسيرورة الاصلاح في 15 جامعة مغربية ، ويشمل مرحلة شتنبر 2009 إلى غاية متم ماي 2010 ، وقد اعتمد على أزيد من 40 مؤشرا لقياس مدى التقدم في المشاريع والتعاقدات المتفق بشأنها . وهكذا جاء التقرير متمحورا حول أربعة محاور أساسية :1) تنمية الطلب على الجامعة ، من خلال الرفع من عدد الطلبة والمسجلين بها ، 2) دعم البحث العلمي ، 3)تقوية القدرات وتأهيل العنصر البشري والأطر الجامعية ، 4) وأخيرا الرفع من الحكامة الجامعية وتقوية استقلاليتها . من خلال هذه الأهداف الكبيرة ، وبمقاربة علمية وفق مؤشرات مضبوطة ، تم الوقوف عند أهم الانجازات وكذا التحديات التي تعيق سير الاصلاح .