شهدت المناقشة الأخيرة لمشروع ميزانية وزارة الاتصال (الاعلام)، نقاشا حادا بين النواب البرلمانيين من جهة وبين وزير الاتصال خالد الناصري من جهة أخرى. ففي الوقت الذي دافع فيه وزير الاتصال بشكل قوي على وزارته وطريقة تصريفها للميزانية -التي رصدت لها خلال سنة ,2010 أو تلك المرصودة خلال السنة القادمة- هاجم النواب البرلمانيون بمختلف أطيافهم الطريقة التي يتم بها تدبير عمل الوزارة، مسجلين عددا من الملاحظات، أهمها؛ غياب الشفافية وضعف الحكامة في طريقة التسيير، العشوائية في برامج الاعلام العمومي والخصوصي، وتراجع مكونات القيم والهوية الوطنية في استراتيجية الوزارة الاعلامية. الميزانية المرصودة بلغت الميزانية المرصودة لوزارة الاتصال برسم سنة ,2011 حوالي مليار و212 مليون درهم، منها 364 مليون و752 ألف درهم كميزانية للتسيير، في حين استحوذت ميزانية الاستثمار على 847 مليون درهم أي ما يمثل 69 % من الميزانية العامة للوزارة. وتنوعت المؤسسات والهيئات التي ستسفيد من هذه الميزانية؛ بين كل من المركز السينمائي المغربي، وكالة المغرب العربي للأنباء، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، شركة صورياد- ,2 الصحافة المكتوبة، المعهد العالي للاعلام والاتصال، والمصالح الادارية للوزارة). استراتيجية عمل الوزارة والاشكالات التي تعرفها حسب التقرير الذي قدمه وزير الاتصال خالد الناصري أمام أعضاء لجنة ''الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية''، فإن الإطار الاستراتيجي الذي رسمته الوزارة للاشتغال عليه خلال السنة القادمة (2011)، يتجلى في محاور رئيسية كبرى، منها؛ استكمال إصلاح الفضاء السمعي البصري وتأهيل القطب العمومي وتحسين أدائه وإعادة هيكلته، الرفع من نسبة متابعة القنوات التلفزية لمواجهة المنافسة الأجنبية، وتقوية التنوع الثقافي الوطني وتعزيز البرامج التي تبث باللغة الأمازيغية، يضاف إليها مجموعة من الخطوات التي تمثل بحسب الناصري الأهداف الكبرى لعمل الوزارة والتي تستهدف عناصر الجودة، التطوير والتدبير.هذه التوجهات وغيرها بالنسبة لعدد من المتتبعين، لا تتجاوز أن تكون مجرد أمور تقنية أضاعت فيها الوزارة الوقت الكثير، فيما لم تضع الوزارة ضمن استراتيجيتها، مخططات تستهدف بها تحديد ''المرجعية'' التي تقوم عليها الوزارة أساسا، حتى تكون خطواتها محددة ومعروفة بعيدا عن الضبابية وعدم الوضوح، مما يجعل عملها وعمل المؤسسات المرتبطة بها أكثر شمولية، وحتى يتم تجاوز ما تعرفه من إشكالات واختلالات. فقد سجل على وزارة الاتصال، التأخر في إخراج قانون للصحافة والارتهان ب''الحوار الوطني حول الاعلام والمجتمع''، السكوت على التجاوزات التي تحدث في عدد من المؤسسات التي هي تحت إشراف وزارة الاتصال، ضعف رقابتها على القنوات الإذاعية الخاصة التي لم تعد تحترم دفاتر التحملات الملتزم بها، القيام بصفقات غير واضحة مع عدد الجهات (تحويل ''ميدي ''1 من شركة خاصة لى شركة مساهمة عمومية). نفس الأمر سجل بالنسبة لكل من مؤسستي ''المركز السينمائي المغربي'' و''الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة'' و''صورياد .''2 المركز السينمائي المغربي خصصت للمركز السنمائي المغربي ميزانية تقدر ب52 مليون درهم خلال سنة ,2011 وهي بالمناسبة نفس ميزانية سنة 2010 تقريبا، من أجل تنفيذ برنامج عمل ''النهوض بالصناعة السينمائية المغربية'' دون أن يكون من بين أهدافه ما له علاقة بقيم المجتمع وهويته الوطنية، أو بما سيقدمه للفئة المستهدفة التي هي الجمهور. فحسب تقرير الوزير الناصري، تتلخص أهم عناصر حصيلة وآفاق المركز في الرفع من الانتاج الوطني، جلب الاستثمارت الخارجية وتنظيم المهرجانات وتحضير النصوص القانونية المتعلقة بالعمل السينمائي، وهو ما جعل العديد من الانتقادات توجه إلى المؤسسة، حول طريقة تدبيرها وتسييرها ومعايير الجودة في الأفلام التي تنتج باسمها. حيث سجل برلمانيون، اعتماد المركز السينمائي المغربي بشكل كبير على المال العام، غياب الشفافية في الدعم الذي يقدمه المركز للأعمال السينمائية وخصوصا تلك التي تثير جدلا وطنيا، الترخيص بتمثيل أفلام أجنبية تتضمن مشاهد ''ساخنة'' على أرض المغرب في غياب تام لجهاز الرقابة، ضعف بل ونذرة الأعمال السينمائية التي تتناول القضايا الوطنية للمغرب (عيد الاستقلال، الصحراء المغربية، سبتة ومليلية). يضاف إلى ما سبق أن المركز سبق وأن سجل في حقه عدد من الاختلالات على مستوى التدبير المالي والإداري حسب تقارير المجلس الأعلى للحسابات. القطب التلفزي العمومي خصصت ل''الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية'' ميزانة قدرها 960 مليون درهم حسب عقد البرنامج الممتد من 2009 إلى ,2011 فيما استفادت ''شركة صورياد القناة الثناية ''2 من دعم مالي قدره 80 مليون درهم حسب عقد البرنامج الممتد من 2010 إلى .2012 حسب تقرير وزارة الاتصال، يهدف الدعم الذي خصص لهذه المؤسسات إلى توسيع قياس نسب المشاهدة، وتعزيز مكانة الإعلام العمومي في أوساط المشاهدين المغربية وعصرنة التجهيزات حتى تتلائم مع التكنولوجيا الرقمية. ما يلاحظ من ذلك، غياب أي رؤية للمشهد التلفزي العمومي لا على المستوى القريب أو البعيد، حيث لم تسطر الوزارة لهذه القنوات، خطوطا تعمل على أساسها (إذا استثنينا ما هو تقني) خلال مرحلة عقد البرنامج، حيث أن المتعارف عليه أن الاتفاقيات المبرمة بين الوزارة والتلفزيون تؤسس لمرجعية عمل هذه الأخيرة، وتحدد لها الجوانب التي وجب تنميتها لدى المواطن من حيث قيم المواطنة، واحترام الأخلاق العامة، وتربية الناشئة على قيم الاحترام والالتزام. عكس ذلك، سجل المتتبعون للتلفزيون العمومي المغربي، خروج خطه التحريري عن السياق الوطني والعمل تحت التوجيهات والأوامر مما يضر بأطراف على حساب أخرى، استغلال القطب العمومي لتمرير مجموعة من المواقف لجهات موالية للحكومة على حساب المعارضة، الارتهان إلى سياسة المشهرين والمعلنين الذين أصبحوا يتحكمون في نوعية البرامج وأوقات عرضها، عدم إحترام دفاتر التحملات التي التزمت بها القنوات التلفزية، السعي إلى الرفع من نسب المشاهدة بأي ثمن، طغيان البرامج الهزلية والترفيهية على حساب البرامج العلمية والتثقيفية، نهج سياسة تدريج الأفلام الأجنبية إلى لغة موغلة في الاسفاف والابتذال.