قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن المراجعات اللازمة والجذرية للمقاربة المعتمدة تجاه قضية الصحراء المغربية، وهي مراجعات تتأسس على ضوء ما كشفته أحداث العيون وكذا ما ستفرزه المتابعات القضائية والتقارير الحقوقية عن الوضع الجديد في الصحراء من معطيات حول التحولات العميقة الجارية في الصحراء ديموغرافيا وقبليا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، والتي ستجعل من العبث استمرار بلادنا في معالجة أسئلة ومشكلات الحاضر بأجوبة وسياسات الماضي. مما لاشك فيه أن عددا من المواقف المعبر عنها بعد الأحداث قد لامست جزءا من جوانب المراجعات المطلوبة، وخاصة ما هم الدعوة إلى إيقاف العمل بمقتضيات اقتصاد الريع ومعه اقتصاد المفاوضات أو حالة اللاحرب واللاسلم، وهو منطق أنتج نخبة من بعض المتنفذين ممن أصبحت مصلحتهم تصب في استمرار الوضع الحالي أكثر من السعي إلى الحل الجذري له وما يستوجبه ذلك من مراجعة للسياسة المتبعة في العلاقة مع الأعيان، أو الدعوة إلى تطبيع وضع دعاة الطرح الانفصالي والسعي للحوار معهم واحتوائهم ضمن النسيج الوطني الديموقراطي مثلما هو الحال في بلدان عديدة تمكنت من تحييد الخطر الانفصالي بالاستيعاب السياسي التدريجي لدعاته وفك ارتباطهم بالأجندات الخارجية أو بالتوجهات العنفية المسلحة، وبموازاة ذلك الصرامة والحزم في تطبيق القانون والذي تشكل الأحداث الأخيرة فرصة لتدشين مرحلة جديدة في تجسيد مستلزماته وذلك بعد فترة تكبيل ذاتي تلت القبول بعودة أمينتو حيدار، ثم أخيرا ملف العائدين والذي بلغ أوجه مع هذه السنة التي تجاوز عددهم فيها 1650 عائد وما يحتمه من تدبير عادل ومتوازن وحذر. لكن في المقابل ثمة حاجة للانكباب على أوراش لا تقل خطورة وتعقيدا عن السالفة الذكر إن لم نقل تتجاوزها من حيث التعقيد، والتي ستضع مجموع السياسة المتبعة تحت مجهر التقييم والتشريح وبعدها تحديد ما تقتضيه من سياسات جديدة، ونكتفي هنا بالتوقف عند ثلاث أوراش . أولاها تهم الاستجابة للتحولات الديموغرافية العميقة والتي أفرزت جيلا جديدا من الشباب له قابلية السقوط في شرك ما سماه أحد خبراء الملف '' الخطاب الانفصالي المعيشي'' وليس المشروع الانفصالي السياسي أو الإيديولوجي، وهي تحولات كشف عناصرها الإحصاء العام للسكان لسنة 2004 وبعده النشرات الإحصائية وآخرها لسنة 2009 ويمكن العودة إلى تفاصليها المذهلة للوقوف على واقع صعب ومعقد، فعدد سكان جهة العيون-بوجدور- الساقية الحمراء معها جهة وادي الذهب خ لكويرة إضافة إلى إقليمالسمارة يبلغ 516 ألف نسمة ضمنها 418 ألف في المجال الحضري بمعدل يفوق 80 في المائة بما يعني أعباء أكبر على المستوى التدبير الحضري، إلا أن أخطر ما تكشفه المعطيات الديموغرافية يهم أولا وجود أزيد من 31 في المائة دون سن 15 سنة ، كما أن البنية الديموغرافية التعليمية توسعت بشكل كبير حيث تستقطب 51 ألف في التعليم الابتدائي يضاف إليها أزيد من 39 ألف في التعليم الثانوي بشقيه الإعدادي والتأهيلي و4 آلاف في التكوين المهني، مع العلم أن هذه المعطيات تشمل كافة سكان الصحراء، كما تفيد بعض الدراسات أن 57 في المائة من سكان الصحراء سنهم أقل من 25 سنة، وذلك وسط معدلات عالية من عدم مواصلة الدراسة حيث لم يتجاوز عدد الحاصلين على الباكالوريا 5 آلاف شخص، كما أن معدل البطالة بحسب تقرير مغرب الجهات لسنة 2008 بلغ في جهتي الصحراء أزيد من 19 في المائة أي ضعف المعدل الوطني. ثاني هذه الأوراش ويهم الافتحاص الدقيق لمشاريع التنمية التي وجهت للمنطقة، ويكفي أن نذكر أن وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية خصصت 4,6 مليار درهم للفترة من 2004 إلى 2009 لحوالي 2000 مشروع فضلا عن مليار و600 مليون درهم لسنة 2010من أجل التنمية في المنطقة، ويضاف إلى ذلك أن إنتاج الصيد البحري في الجهتين يبلغ سنويا مليار ونصف درهم وإنتاج أزيد من 2,3 مليون طن من الفوسفاط تمثل 5,11 في المائة من الإنتاج الوطني، أي أننا إزاء برامج معتبرة من الناحية المالية لكن أثرها في الاستجابة للتحديات الاجتماعية والتنموية كان محدودا ويبقى في حاجة للدراسة والافتحاص. ثالث الأوراش ويهم تحليل التغييرات التي عرفها تدبير التوازنات القبلية منذ سنة 2007 ثم في الانتخابات الجماعية ل2009 وما أفرزته من سياسات تهميش لمكونات قبلية وازنة، وما عمق من ذلك هو دخول الصراعات الحزبية الضيقة كعامل مغذ للإرباك الحاد الذي شهدته هذه البنية، وهو ما ظهر جليا في التركيبة القبلية للمخيم قبل أن يخرج عن السيطرة والتي احتضنت قطاعا مقدرا من المكونات المهمشة ، وأدت إلى تغذية نزوعات التوتر والعنف، وهي عناصر نعتقد أن البحث فيها سيفضي إلى فهم الجذور العميقة لما حصل. إن مخلفات الأحداث عميقة، والواجب يقتضي استغلال الفرصة للقيام بالمراجعات المطلوبة على المدى الاستراتيجي، لاسيما وأن بلادنا في موقع قوة في مواجهة الأطروحة الانفصالية بعد أن كشفت عن وجه عنفي تخريبي فج.