من جلال المسؤولية وجمال التواضع، أن نبدأ بتقييم موضوعي وقراءة نقدية لكسبنا الدبلوماسي على مدار العقود الماضية، حتى لا نلدغ من الجحر الواحد مرتين بل ومرات، و يحضرني هنا كلام نفيس للعلامة المؤرخ، محمد بن عزوز حكيم مد الله في عمره إذ يقول: '' فمثلا في قضية الصحراء، ارتكبت أخطاء كثيرة، و بالنظر لمهامي كموثق للجنة الملكية التي أوفدها المغرب إلى الأممالمتحدة، وإلى محكمة لاهاي للدفاع عن قضية الصحراء المغربية، كانت هناك أشياء نبهت إليها في حينه، لكن لا حياة لمن تنادي، ولم تكن ترق بعض المسؤولين، وبعدها أدينا فاتورة باهظة نتيجة ذلك، وارتكبنا أخطاء لها عواقب وخيمة، ورغم ذلك أصررنا على المضي فيها''.(14) (ليت مؤرخنا فصل ذلك وشفى غليلنا)، ولعل هذا ما دفع بالحاج إبراهيم الدويهي الذي عارض الإستفتاء منذ ,1972 ودفع ثمنا سياسيا لذلك إلى اقتراح أن يبادر الملك إلى ''خلق لجنة تضم أناسا وطنيين ومخلصين يناط بهم مهمة مراجعة القضية منذ الستينات من القرن الماضي للوقوف عند جملة من الأخطاء والإختلالات، والغاية من ذلك هو أن معرفة مكامن الخلل، سوف تمكننا لا محال من عدم تكرار الأخطاء التي وقعت في الماضي، والتي نعيش تداعياتها إلى يومنا هذا '' (15). نفس الملاحظة، يثيرها الأستاذ عبد الرحيم بوعيدة بقوله: '' إن مشكل الصحراء أن تاريخها لم يقرأ بصورة جيدة،...عندما نحاول أن نبحث عن الروابط التاريخية التي تجمع هذه الصحراء بالمغرب، نبحث عن آليات البيعة، في حين أن هناك روابط أكثر عمقا لم يستطع إلى الآن، المهتمون بالشأن الصحراوي كشفها علميا''(16)، وعطفا على هذه الملاحظة الوجيهة، أعتقد أن الكتاب الذي أصدره عالم الإجتماع المغربي، الدكتور محمد الشرقاوي (عضو اللجنة الاستشارية الجهوية) تحت عنوان: الصحراء: الروابط الإجتماعية والرهانات الجيوستراتيجية، يقدم أنموذجا للأبحاث العلمية التي نبه إليها الأستاذ بوعيدة، ففي الكتاب المذكور، يؤكد المؤلف على الروابط الإجتماعية التي توحد ساكنة الصحراء بمختلف جهات المملكة، واندماج الساكنة الصحراوية في النسيج المجتمعي المغربي، متخذا من الزواج، مؤشرا أصليا لإثبات قوله، إذ رصدت أبحاث فريق عمله، أن معدل زواج الأقارب بين الصحراويين، انخفض خلال 40 سنة من أزيد من 97% إلى أقل من 55%، اعتمادا على سجلات عقود الزواج بين 1960 و ,2006 المبرمة في المنطقة، و دائما بصدد النظر في مقاربات أخرى، للباحث أن يتأمل في ما أفاد به السيد مصطفى سلمة ولد سيدي مولود فك الله أسره في مؤتمره الصحفي بالسمارة، حينما صرح: '' نحن أهل كسابة وأهل بادية، بطبعنا نميل إلى الحرية و التحرر؛ و لذلك، إذا كانت بعض الجهات تعتقد أنها تتحكم في كل صغيرة و كبيرة، فإنني أعتقد و من خلال تقاليدنا و ما أعلمه وما أعرفه، أن أية جهة ليس بمقدورها أن تقف في وجه أي قرار نراه صائبا و فيه مصلحتنا'' (17)، و كمداخل أخرى لاستجلاء الروابط التاريخية بين المغرب و صحراءه، يمكن البحث في أدب الرحلات و تاريخ الهجرات من وإلى المنطقة، والعلاقات التجارية البرية منها و البحرية، و تراث الزوايا العلمية و الطرق الصوفية، ثم الأرشيف المحلي والدولي (خصوصا الفرنسي و الإسباني). وبالرجوع إلى مسلسل المفاوضات، فما قلناه على لقاء ''دورشتاين'' (جنيف)، تكرر في ''أرمونك'' (نيويورك)، أثناء انعقاد الجولة الثانية غير الرسمية في فبراير الماضي، و حتى لا أطيل على القارئ الكريم بكثرة الاستشهادات، أنقل له فقط تصريحين دالين، صدرا بعد انتهاء اللقاء، فقد عبر أحمد بوخاري، ممثل الجبهة في الأممالمتحدة، عن خيبة أمله في الموقف المغربي بقوله: ''كنا نتوقع أن يغير المغاربة موقفهم المتعنت و يناقشوا بصدق مقترحاتنا''(18)، فيما علق وزير خارجيتنا أن ''المغرب قام بفضح المرجعية المتجاوزة للمقترح المزعوم الذي قدمه البوليساريو، وقراءته المضللة والمحرفة لمبدأ تقرير المصير، ولفلسفته المتناقضة مع التوجيه الذي وضعه مجلس الأمن''(19)، بل و حتى قبل هذه الجولة، يصرح المتحدث المفترض(!) باسم تيار ''خط الشهيد'' المعارض لقيادة الجبهة، السيد المحجوب السالك في حوار مع قناة ''العربية'' الفضائية بداية يناير الماضي، أن ''القيادة الحالية لجبهة البوليساريو ليست لها النية الصادقة لإيجاد حل لنزاع الصحراء، لأنها تستفيد من الوضعية الحالية، و بالتالي فإن المفاوضات بينها و بين المغرب ستظل تدور في حلقة مفرغة''(20). على ضوء ما تقدم نقول: حينما يتشبث كل طرف بموقفه سلفا، أليس ذلك شرطا مسبقا؟ا و عندما نطالع التصريحات و الخطابات الرسمية هنا وهناك، والتعليقات الصحفية التي قد تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، نتساءل أهي خطوات ترفع منسوب الثقة، أم أنها لبنات تزيد جدار الريبة سمكا وسمقا؟ا و هل مع توقيت مبادرات محسوبة بدقة (زيارة نشطاء انفصاليين للجزائر بداية يوليوز ,2009 وعودة القيادي ولد سويلم بداية غشت ,2009 ثم زيارة وفد آخر للنشطاء الانفصاليين إلى تندوف غداة امتحان المغرب أمام لجنة حقوق الإنسان بجنيف وقبيل القمة الأورو مغربية في غرناطة) يراد منها الضغط النفسي على الأخر وإرباك حساباته، يصح الحديث أننا بصدد تهيئ الجو المناسب للحوار؟ا و أي معنى يبقى لتلك العبارات البراقة التي تلاك و تشنف بها المسامع وتدغدغ بها العواطف، نظير ''تنقية الأجواء'' و''مد جسور الثقة'' أو ''خلق مناخ إيجابي للحوار'' ؟! أما الجولة الثالثة للمبعوث روس في المنطقة، فقد كان لافتا تصريحه للصحفيين بعد لقائه بالرئيس الموريتاني والذي قال فيه ''المفاوضات التي ستفسح الطريق أمام حل سياسي من الطرفين هي في طريق مسدود، ودعونا الجميع إلى التفكير من أجل إيجاد أفضل طريقة للخروج من المأزق'' (21)، إذن هو كون قناعته وأصدر ''فتواه'' قبل زيارة الجزائر، وهو ما يفيد ابتداء تسليمه بأن ما سمعه من الجبهة، ليس سوى صدى للموقف المتخذ في قصر المرادية، وما يؤكد انتهاءا فشل جولات اللقاءات غير الرسمية، وحين يدعو الجميع إلى البحث عن حل، فمعناه ضمنيا أن المبادرة المغربية بحاجة إلى تنقيح وتلقيح، وأن ما سمعه صراحة وبالواضح من ملك البلاد، والذي مفاده أن ''آلية الإستفتاء بخيارات متعددة أصبح مستبعدا بشكل نهائي''، هو موقف يتعامل معه على أساس أنه ''نص قطعي الثبوت، ظني الدلالة''، وما يعزز هذا الإفتراض، أن قضية ''حيدر''، التي أسس بنيانها على مضامين خطاب ملكي فاصل بين الوطنية والخيانة، سرعان ما تم تكييفها بالطريقة التي عشناها ... كما يخشى أن تستبطن تلك التعليقات ''الروسية'' (نسبة إلى روس)، ما يوحي بإمكانية إحياء مخطط ''بيكر ,''2 عن طريق مداخل يكون في طليعتها تفعيل إجراءات الثقة، وتنزيل آلية لمراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، وهما بلا شك، ساحة المواجهة التي تتسع رقعتها مع توالي الأحداث! الهوامش 14 الإتحاد الإشتراكي، ع: 9347؛ 11 - 12 - 2009 15 الصحراء الأسبوعية، ع: 69؛ 08 - 03 - 2010 16 أخبار اليوم المغربية، ع: 196؛ 23 - 07 - 2010 17 التجديد، ع: 2447؛ 12 - 08 - 2010 18 الجريدة الأولى، ع: 534؛ 02 13 - 2010 19 نفس المصدر 18 20 الأحداث المغربية، ع: 3930؛ 01 04 - 2010 21 الأحداث المغربية، ع: 3998؛ 24 - 03 - 2010