يطلق النعل من حيث المعنى على ما وقيت به القدم من الأرض وهو يغاير الخف، قال ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير:'' والنعلان: جلدان غليظان يجعلان تحت الرجل ويشدان برباط من جلد لوقاية الرجل ألم المشي على التراب والحصى،''انتهى. ولقد كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيران يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها ويضع الآخر بين الوسطى والتي تليها ويجمع السيرين الى السير الذي على وجه قدمه وهو المعروف بالشراك، والحذاء هو النعل، تقول حذا النعل حذوا وحذاء، قطعها وقدرها على مثال، واحتذى يحتذي إذا انتعل. والنعال والأحذية كما هو معروف أنواع، وتتميز عن الخفاف بصلابة قاعدتها وقاعها، فيكون من خشب أو من جلد أو غير ذلك من المواد المستعملة في هذا الشأن، وتختلف بحسب ما تستر من القدم من مجرد قاعدة ترتبط بالقدم عبر سيور أو شبيه بذلك، أو تكون تحت الكعبين أو إلى الساق أو إلى ما فوقه، وتختلف أيضا من جهة سهولة نزعها من عدمه. والفقيه يهمه التفصيل لمعرفة المناسب من الحكم فيلحق بالخف ما هو شبيه به، بل وينظر قبل ذلك، هل ورد المسح على النعل المجرد عن غيره فيعم عنده الحكم جميع ما يدخل في اسم النعل، ولعل سائلا يقول: ما الحاجة إلى الحديث عن المسح على النعال في الوقت الذي لا نعرف فيه مساجد اليوم إلا مفروشة؟ فنبادر إلى التذكير بأن صلواتنا لا تتاح لنا دائما في المساجد، ثم إن ما يرتبط بالمساجد - في حال امتلائها- من باحات لا يكون دائما مفروشا، والأرض كلها في الأصل مسجد، كما جاء في الحديث الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم'' وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل '' ثم إن أحوال الناس تختلف، فمن يستحضر أحوال الآلاف من العسكريين ورجال الدرك ورجال المطافئ ومن في حكمهم، وأحوال الكشافة وأهل الرحلات والسياح ومن يقطعون المسافات في الفيافي على الأقدام وغير ذلك من الأحوال، وينظر أيضا إلى طبيعة أحذية غالب من ذكرنا وظروف عملهم والتزاماتهم، يدرك أهمية معرفة حكم المسح على الأحذية بل والصلاة فيها كما سنبينه في حينه. ويمكن القول بأن حكم المسح على النعال والأحذية لمن يحتاج المسح عليها، لا يخرج كثيرا عما قلناه في الاستدلال على جواز المسح على الجوارب المعاصرة، وخصوصا من الأحذية ما يشملها وصف: الملبوس في الرجل الساتر للكعبين، فهي تدخل في الأدلة العامة بدءا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم وأقوال ومذاهب العديد من العلماء القائلين بالجواز. فمن كتاب الله عز وجل، ما يؤخذ من قراءة الجر لحرف اللام في ''أرجلكم'' من قول تعالى:'' وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ''، حيث قال البعض إن قراءة الجر تدل على المسح، فننزلها على حالة القدم المستورة بالحذاء كما يفعل بالخف فيكون فرضها المسح .علما بأن قراءة النصب تنزل على حالة القدم المكشوفة فيجب فيها الغسل . فضلا عن عموم الآيات الواردة في رفع الحرج واعتماد التيسير كقوله تعالى:'' يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ'' وقوله سبحانه:'' وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ '' وغيرها من الآيات كثير، ومن السنة ما جاء في سنن أبي داود بسنده وصححه الألباني عن أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه'' قال ابن قدامة في المغني (150 1):''والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم '' وإذا كان في ذكر النعل والقدم ما يشوش الذهن بخصوص إفراد النعل بالمسح، فهذه رواية لأحمد بسنده عن أوس بن أبي أوس قال: كنت مع أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ ومسح على نعليه، فقيل له، فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع'' وتكلم الشيخ الألباني بعد ذكر جمال الدين القاسمي في كتابه عن الجوربين لعدد من روايات ابن أبي أوس، فقال:'' ثم اعلم أن هذه الأحاديث الثلاثة هي في الحقيقة حديث واحد ، اختلف الرواة في لفظه والمؤدى واحد ، وهو جواز المسح على النعلين ، ولو لم يكن معهما الجوربان . وهو حديث صحيح أخرجه من ذكرهم المصنف وغيرهم كالطيالسي في ( مسنده ) ، (1113)وابن أبي شيبة في ( المصنف ) (1/190) والبيهقي (1/287286) ، وقد تكلمت على إسناده في صحيح أبي داود .'' ومن الأدلة أيضا ما جاء في سنن أبي داود ومسند أحمد وصححه الألباني واللفظ لأحمد بسنده عن علي رضي الله عنه قال: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما'' ويقصد علي رضي الله عنه مسح ما يغطي القدمين، إذ لا يعقل أن يقصد الغسل الذي يعم كامل القدم، فبقي الحكم متوجها للخف وما في حكمه كالنعال والأحذية.