يعتبر ملف المرأة من أكثر الملفات جذبا للاهتمام في الساحة الوطنية ولدى الحركة الإسلامية، وأصبح عامل تمايز بين الجبهة العلمانية من جهة والجبهة الإسلامية من جهة ثانية، بل عامل تمايز داخل التيارات الإسلامية نفسها حيث تتعدد المواقف ولا أقول الاجتهادات من قضية حقوق المرأة وموقعها في دينامية المجتمع. ولقد بينت الأحداث أن الحركة الإسلامية لم تكن أبدا مبادرة إلى طرح ملف حقوق المرأة ومشاكلها ولم تتعامل مع هذا الملف بالجدية والمسؤولية اللازمتين، وأنها في الأحيان القليلة التي تتعاطى مع قضايا المرأة والأسرة، لا تفعل ذلك إلا في حدود ردود أفعال لمجابهة المبادرات العلمانية وتفاعلات المواثيق الدولية على الصعيد الوطني. وتلتزم الحركة الإسلامية في كل معركة كبيرة حول المرأة بفتح ورش كبير للاجتهاد والاقتراح، لكن سرعان ما يتوارى هذا الملف إلى الخلف ويفقد جديته عندما تهدأ العاصفة ويرجع كل تيار إلى قواعده. وتستمر معاناة المرأة ويستمر معها اهتمام تيارات أخرى بها في حين تكتفي الحركة الإسلامية بردود الفعل واستدعاء أقوال السابقين والتذكير بمبادئ الإسلام وعنايته بالمرأة، واقتناص أخطاء دعاة حقوق المرأة والتشهير بها. إن بعض الحركات الإسلامية أبدت وأكدت تقدميتها وعرضتها من خلال العمل على إشراك المرأة في إدارة التنظيم واتخاذ القرار ومواقع المسؤولية والعمل السياسي والاجتماعي، لكنها في نفس الوقت لم تستطع أن تنقل هذا التحول العملي الإجرائي إلى تحول في المسار الفكري. ولم تستطع أن تنتقل بالتحديد إلى مساءلة ركام من التقاليد والموروثات والقناعات حتى أنه ليبدو للمتتبع لمسارات الحركة الإسلامية، أنها أكثر محافظة وتقليدا من غيرها في كل ما يتعلق بمدونة الأحوال الشخصية، في حين تبدو أكثر عقلانية وتحديدا فيما يتعلق بمشاركة المرأة في حركة المجتمع والتعبئة والتضامن مع قضايا الأمة. إن كان حريا بالحركة الإسلامية في إطار حركة الفكر التي أشرنا إليها في الحلقة السابقة، أن تفتح مدرسة اجتهادية حول قضايا المرأة والأسرة والطفل وما يرتبط بذلك كما كان حريا بها أن تتصدر المطالب العادلة للمرأة ورفع الحيف عنها وتحريرها من ظلمات التقليد والتحجر والظلم، في نفس الوقت الذي تتصدى فيه إلى ظلمات التغريب والإفساد. وكان من المفروض أن تجد المرأة المطلقة والمغتصبة والطفلة المهمشة والخادمة المظلومة والأرملة، أن تجد السند والعناية والاحتضان من قبل جمعيات الحركة الإسلامية، العاملة في الحقل الاجتماعي والشأن النسائي، والأكثر من ذلك، من الأفضل أن تجد الأخت المغربية التي ارتمت أو أورميت في أحضان البغاء في الحركة الإسلامية من يصغي إليها ويعينها على نفسها وواقعها والتوبة إلى ربها. إننا نحتاج اليوم، مقابل الحركات النسوية التائهة بين الحفاظ على القيم والتقاليد المغربية أو الارتباط بالمسار العالمي فيما يتعلق بالشأن النسائي، نحتاج إلى حركة نسائية مغربية تجمع بين التمسك بالأصالة في مبادئها وتوابثها و>المعلوم منها بالضرورة< والنضال الجرئ من أجل حقوق عادلة لا مفتعلة للمرأة المغربية، انطلاقا من مقاربة علمية وواقعية واستشراف لتحولات وتحديات المستقبل وتطورات المنظومة الاجتماعية والثقافية لبلادنا. عبد العزيز رباح