استبعد علي الإدريسي، الدبلوماسي والأستاذ الجامعي، أي تحسن في العلاقات بين المغرب والجزائر في المدى المنظور، وقال إن غياب مبادرات جادة تتجاوز تراكمات الماضي، واتهام الإعلام الجزائري للمغرب بالوقوف وراء حركة فرحات مهني، الذي أعلن تأسيس حكومة الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل من فرنسا، إضافة إلى طرح الجزائر أملاك مواطنيها في المغرب رسميا، يزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين. وأضاف الإدريسي، في حوار مع هيسبريس، أن الأمل معقود على ظهور جيل سياسي جديد نافذ يؤمن بسياسة المصالح المتبادلة بدلا عن سياسة المواجهة والصراع التي تنتسب إلى منطق القبيلة، والتي طبقتها إلى الآن ثقافة الوطنية الصغرى. وأوضح الإدريسي أن النزاع حول الصحراء ليس إلا المرحلة القصوى في نزاع طويل، غذته نزاعات قديمة، تراكمت منذ انهيار دولة الموحدين في أواخر القرن الثالث عشر، مبرزا أن المنشورات شبه الرسمية في الجزائر؛ ككتاب ذاكرة الجزائر مثلا، الصادر منذ سنوات عن متحف الجيش الوطني الشعبي، يعتبر أن وقوف الجيش الجزائري أمام أطماع المغرب اليوم، حسب الكتاب، لا يقل عن موقفه ودوره الذي قام به هذا الجيش في العهد الزياني حين لم يسمح لجيش المرينيين من السيطرة على عاصمتهم تلمسان، في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. وفي القرن التاسع عشر، حين احتلت فرنساالجزائر، هب المغاربة حكومة وشعبا لنصرة جيرانهم الجزائريين، لكن كتب التاريخ في الجزائر - يقول الإدريسي- تتجاهل ذلك. ولا تركز إلا على موقف السلطان عبد الرحمن من الأمير عبد القادر الجزائري، بعد هزيمة وادي إيسلي العسكرية سنة 4481 مع فرنسا بسبب تلك النصرة. كما لا تتم الإشارة إلى استمرار الموقف المساند للمقاومين الجزائريين من قبل قبائل الشرق والريف، وإلى فتاوى علماء فاس الداعية إلى نصرة أبناء دار الإسلام في الجزائر. وكشف الإدريسي أن مرشدي متحف الجيش في الجزائر، حيث يوجد تمثال للأمير عبد القادر، لا يزالون يشرحون لكبار زوارهم أن السلطان عبد الرحمان المغربي خان الأمير عبد القادر، وساعد فرنسا على الانتصار عليه. وأكد أن من النوادر التي تروى في هذا الشأن، أن ولي العهد سيدي محمد، الملك محمد السادس حاليا، وشقيقه مولاي رشيد زارا الجزائر، في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بعد الانفتاح الجزئي للنظامين على بعضهما البعض، وكان ضمن برنامجهما زيارة متحف الجيش، فراحت مرشدته تكرِّرُ على مسامعهما أسطوانة خيانة السلطان عبد الرحمن للأمير عبد القادر دون أدنى خجل، أو احترام لمشاعرهما على الأقل. وبسبب ثقافة الوطنية الصغرى، يقول الإدريسي، تتجاهل الجزائر مساهمة الجالية المغربية في حرب التحرير الجزائرية، بل وصل الأمر بقادة الجزائر المستقلة بمعاملتهم معاملة دون مراعاة لعظمة حرب التحرير الجزائرية، التي شاركت فيها هذه الجالية تطوعا من أجل الحرية، ومساندتهم لأخوتهم الجزائريين. لكن ما جرى لهم بعد ذلك، كان أمرا آخر لا يمت بصلة إلى تضحياتهم في سبيل تحرير الجزائر واستقلالها. وأكد الإدريسي أن الرائد لخضر بوركّعة، وهو من قادة الثورة المسلحة ضد فرنسا، ذكر في كتابه شاهد على اغتيال ثورة، أنه صادف أثناء وجوده في سجن المرس الكبير في وهران، نتيجة خلافات سياسية مع الرئيس الأسبق هواري بومدين، وجود عدد كبير من ضباط عاملين في الجيش الجزائري معه في ذلك السجن الرهيب، وعرف أنهم من أصول مغربية شاركوا في حرب التحرير الجزائرية، لكن بومدين أمر باعتقالهم وإعدام بعضهم، بدعوى أنهم مغاربة جواسيس لا يِؤتمن جانبهم على الثورة الجزائرية. وكان هؤلاء الضباط حصلوا على الجنسية الجزائرية واختاروا الاستمرار في خدمة العلم الجزائري، لكن لم ينفعهم لا حربهم إلى جانب جيش التحرير ولا تجنسهم.