كما كان متوقعا؛ فاز الشريط المغربي براق لمخرجه محمد مفتكر بالجائزة الكبرى عصمان صمبين في الدورة 13 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، والتي تصل قيمتها إلى 70 ألف درهم. ليتألق شريط براق مرة أخرى، بعد تألقه في مهرجان الفيلم الوطني بطنجة في دورته الأخيرة، إذ حصد ستة جوائز. ويحكي شريط براق قصة فتاة عانت في طفولتها من أب قاس كان يطمح أن يكون له وريث ذكر. الفتاة تعيش توترا نفسيا حادا إذ تعتقد أنها حامل. هذا التوتر يجعلها تلج مستشفى الأمراض العقلية. هناك زينب الطبيبة يعهد إليها رئيسها بمهمة معالجة الفتاة. فتحاول زينب أن تخرجها من الصمت المطبق. القصة التي تنهل من الموروث الشعبي لها حمولة اجتماعية ونفسية تحليلية. إلا أن المميز في الشريط هو مستواه الفني والجمالي، الذي يجعل من مخرجه قائد جيل سينمائي جديد. أما جائزة لجنة التحكيم، فجاءت مناصفة بين فيلم شرلي آدم للمخرج أوليفيي هيرمنيس من جنوب إفريقيا، والشريط المغربي فينك اليام للمخرج إدريس شويكة. وتقدر جائزة لجنة التحكيم ب50 ألف درهم. أما جائزة أحسن إخراج (30ألف درهم)، فعادت للفيلم المصري فرح لسامح عبد العزيز، في حين فاز الشريط المصري واحد صفر للمخرجة المصرية كاملة أبو ذكرى، بجائزة أحسن سيناريو(30الف درهما). السيناريو من تأليف مريم ناعوم. الشريطان يغوصان في عمق المجتمع المصري بمشاكله الاجتماعية (المخدرات والتمزق الأسري والعاطفي)، والاقتصادية (البطالة والفقر وهاجس الاغتناء بأي وسيلة)، مع حضور الجانب الديني فيهما بنظرة تختلف من شريط لآخر. وقد اتضح من خلال عرض هذين الشريطين أن الفيلم المصري لازال يستقطب جمهورا عريضا، إلى جانب الشريط المغربي، كما أبان عن ذلك الجمهور الواسع الذي حضر لمشاهدة الأشرطة المصرية والمغربية. أما باقي الجوائز، فجاءت على الشكل التالي: جائزة أول دور نسائي لدنيس نيومن في فيلم شيرلي ادم من إفريقيا الجنوبية. وجائزة أول دور رجالي لسيرج هونغي في فيلم امرأة ليست كباقي النساء من بوركينا فاسو. بينما عادت جائزة ثاني دور نسائي للممثلة المغربية ماجدولين الإدريسي، عن دورها في شريط براق. وجائزة ثاني دور رجالي لصامصو اودهيامبو عن فيلم فتى الروح من كينيا لحواء ايسومان. ويقدر مجموع الجوائز الممنوحة ب280 ألف درهم. وهكذا يتضح أن الفجوة بين سينما الشمال الإفريقي وسينما الجنوب لازالت مستمرة، بل إن الدورة ال13 كرست هذه الفجوة، من خلال عرضها لأفلام إفريقية لا ترقى إلى أعمال سينمائية صرفة، بل تم عرض مسرحية مصورة، وهو ما جعل البعض يتساءل عن طريقة البرمجة؛ إذ أغفلت فيها مجموعة من المعايير المهمة. وهذا ما يفسر تنظيم ندوة حول السينما الإفريقية والتعاون جنوب جنوب، والتي شارك فيها نور الدين الصايل مدير مؤسسة مهرجان خريبكة ومشيل اودراوكو المندوب العام لمهرجان بنا أفريكا ببوركينا فاصو والمخرج ابدولاي اوسوفاكوري من مالي، مع غياب المخرج امادو تيديان نياكان من السنغال. الندوة، التي عرفت في بدايتها دقيقة صمت ترحما على الراحل نور الدين كشطي الناقد السينمائي الذي توفي مؤخرا في حادثة سير مأساوية، استهدفت التعاون بين الدول الإفريقية جنوب-جنوب على المستوى السينمائي، وهو التعاون الذي أصبح حسب المحاضرين ضروريا، بل خيارا استراتيجيا في وقت تتراجع فيه السينما الإفريقية على المستوى البنيوي واللوجيستيكي، فمجموع القاعات السينمائية في إسبانيا يتجاوز عدد القاعات السينمائية في الدول الإفريقية كلها. وقد لعب المغرب حسب مدير المركز السينمائي دورا هاما في هذا التعاون، إذ يشمل اليوم 25 فيلما، بعدما كانت التجربة الأولى مع المخرج الراحل والمتفرد عصمان صامبين. كما تطرق المحاضرون بحس وطني إلى مشاكل الدعم الأجنبي الذي يفرض أصحابه شروطهم على المخرج الإفريقي، فهذا الدعم (الخاص بالجنوب) لا يصل حتى إلى ميزانية شريط فرنسي. لكن أهم ما جاء في هذه الندوة التي اعتبرت إلى جانب مناقشة الإصدارات النقدية السينمائية إحدى الفقرات الهامة في المهرجان، هي النبرة التشاؤمية التي تحدث من خلالها نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي حول مستقبل السينما بالمغرب وبإفريقيا عامة. إذ أبدى تراجعا عن فكرة المركبات السينمائية كحل أنجع في ظل عدم انخراط المستثمرين الخواص وفي ظل تراجع القاعات السينمائية، مما يعني عدم قيام صناعة سينمائية حتى وإن أنتجنا أفلاما جيدة. من هنا يطرح الصايل فكرة التشارك أو التقاسم(التي تعني المساواة الحقيقية بين الفقراء) بين البلدان الإفريقية خاصة سينمائييها، قصد خلق سوق سينمائية إفريقية لنجاح هذه الأخيرة وضمان استمراريتها، فالصناعة السينمائية حسب الصايل في مصر تحتضر اليوم لاكتفائها فقط بسوقها الداخلي، كما أن شريط كازا نيكرا لم يحقق نجاحا (تقريبا 5000مشاهد) في فرنسا. مما يعني ضرورة إحداث فضاء سينمائي إفريقي مشترك. من جهة أخرى وإضافة إلى أفلام المسابقة تم عرض أفلام مغربية في إطار البانوراما، وأفلام للنقاش من تونس وفلسطين وتشاد وغينيا. كما تم تنظيم ثلاثة ورشات خاصة بكتابة السيناريو والمونتاج والتصوير. هذا وقد أقر بعض المتتبعين أن الدورة 13 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، التي انطلقت يوم 10 يوليوز 2010 وانتهت يوم 16 منه، لم ترق إلى مستوى الدورة السابقة التي عرفت منافسة شديدة بين عدة أفلام متميزة. فبرمجة هذه السنة كانت أحيانا متوسطة والنتائج كانت متوقعة. إضافة إلى أن الدورة جاءت كذلك متوسطة تنظيما وحضورا، في وقت أصبح فيه المهرجان تحت إشراف مؤسسة قائمة بذاتها. فالافتتاح عرف نوعا من الارتجال، خاصة في التقديم والتسيير وتكريم الشخصيات المحتفى بهم: الفنانة ثريا جبران التي استطاعت أن تتجاوز الأزمة الصحية التي مرت بها والمخرج التونسي فريد بوغدير، إذ بدا الارتباك على المقدمين(الممثل الشاب بريطل وممثلة شابة من السينغال)، علما أن مهرجانا من حجم مهرجان السينما الإفريقية يحتاج إلى من يمتلك الاحترافية في التنشيط والتقديم. من جهة أخرى لازال سكان مدينة خريبكة يجهلون الكثير عن مهرجان السينما الإفريقية، وذلك من خلال الحديث مع بعض الساكنة وكما جاء أيضا في نشرة المهرجان. وهذا ناتج عن غياب استراتيجية تواصلية مع الساكنة، خاصة الشباب والمربون ورجال التعليم. مما يعني التفكير بجدية في الطريقة الأنجع لإشراك الساكنة في هذا الحدث السينمائي. ومهما يكن فإن مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة يظل من بين المحطات السينمائية الهامة، ليس فقط على الصعيد الوطني بل أيضا على الصعيد الإفريقي، لحفاظه على أهدافه المتمثلة في الدفع بالسينما الإفريقية إلى الأمام، وتناغمه مع رؤيته السينمائية الرامية إلى جعل السينما عنصر هام ضمن سياسة ثقافية شاملة.