كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل، حين نطق قاضي محكمة الاستئناف بسلا المكلفة بقضايا الإرهاب بالحكم الاستئنافي في حق المعتقلين على خلفية ما بات يعرف بملف بلعيرج، إذ قضت المحكمة يوم الجمعة الماضي بتخفيض الحكم الابتدائي في حق المعتقلين السياسيين الخمسة: المصطفى المعتصم، ومحمد المرواني، ومحمد أمين الركالة من 25 سنة إلى 10سنوات سجنا نافذا، وماء العينين العبادلة وعبد الحفيظ السريتي من 20 سنة إلى 10 سنوات سجنا نافذا، ومن 8 سنوات وغرامة مالية قدرها 500 ألف درهم إلى 5 سنوات سجنا نافذا في حق صلاح بليرج، في حين قضت بتأييد الحكم الابتدائي في حق المعتقلين الآخرين على خلفية نفس الملف. نطق القاضي بالحكم بشكل سريع، وسط احتجاج عوائل المعتقلين الذين منعوا من دخول قاعة المحاكمة من قبل رجال الأمن الذين طوقوا المكان وأعلنوا حالة استنفار قصوى وسط تساؤل الجميع عن السبب، ثم خرج مسرعا في الوقت الذي ضجت فيه القاعة بالصراخ والعويل، إذ بكى أبناء المعتقلين الذين ما فتئوا يطالبون بإخراج آبائهم من السجن، وأصيب البعض بالذهول من تلك الأحكام، في حين فضل آخرون التعبير عن خيبة أملهم بشعارات تستنكر هذا الحكم الذي وصفته بالجائر، وتشدد على براءة ذويها من كل التهم المنسوبة إليهم في وقفة احتجاجية عارمة داخل المحكمة تسمع من خلالها بعض الصرخات، وشهيق زوجات وأخوات كن ينتظرن أن تصحح محكمة المرحلة الثانية ما أفسدته المحكمة الابتدائية. كان الألم، وخيبة الأمل باديا على محيا الجميع، دفاع المعتقلين، ذويهم والمعتقلون أنفسهم. وفي هذا السياق، اعتبر عبد الرحيم الجامعي، أحد دفاع المعتقلين السياسيين أن هذا الحكم ليس إلا عنوانا لفضيحة قضائية جديدة موضحا أنه لم أكن أتوقع إلا تأييد الحكم، لأنه منذ البداية انطلقت المواجهة من أجل الزج بهؤلاء في السجن، وكانت العلامات واضحة من خلال رفض طلبات الدفاع ابتدائيا واستئنافا، ومن خلال تعامل المحكمة مع قضايا جوهرية باستخفاف كبير. ومن جانبه، أكد النقيب عبد الرحمن بنعمرو، أنه حين لايدخل القانون وصيانته في أحكام القضاء، فلا يمكننا الحديث عن الإصلاح لا على المستوى القضائي ولا السياسي ولا المؤسساتي. وفي تصريح له، شدد خالد السفياني، دفاع المعتقلين السياسيين على خلفية ذات الملف، قائلا: مقتنعون أكثر من البداية ببراءة موكلينا، ونعتبر أن الضرر الذي قد يحدثه هذا الحكم، هو الإضرار بهذا الوطن. وأضاف السفياني بأنه لم تكن هناك صدمة من الحكم، معللا ذلك بأن البحث عن القضاء المستقل بالمغرب ما زال مستمرا. ومن جانبها، اعتبرت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الحكم أكثر من جائر، واصفة المحاكمة بالسياسية غير العادلة، مشيرة في تصريح لالتجديد إلى الخروقات التي عرفتها أطوار المحاكمة منذ البداية، ونهاية من رفض القاضي الاستماع إلى الكلمة الأخيرة للمعتقلين التي هي حق للمتهم. يشار أن قاضي الاستئناف رفع الجلسة للمداولة على عجل وبنبرة غاضبة، بعد أن تحدث مصطفى المعتصم خلال كلمته الأخيرة . ولم يتمكن بقية المعتقلين السياسيين من إلقاء كلمتهم الأخيرة. وأضافت الرياضي، أن حل هذا الملف ليس بيد القضاء، أو محكمة النقض مستقبلا، فالملف سياسي بامتياز، ولحله لابد من الضغط القوي لإطلاق سراح المعتقلين. وعلى نفس الصعيد، أكد عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، مجهشا بالبكاء، على أن المحاكمة سياسية، لا يمكن أن تحل داخل أسوار القضاء، من جانبهن، أجمعت زوجات المعتقلين السياسيين في تصريح لالتجديد على أن الأحكام كانت جاهزة، إذ قالت سكينة قادة، زوجة الصحفي عبد الحفيظ السريتي، بأن المحاكمة منذ البداية كانت مسرحية، بإخراج رديء ولا علاقة للأحكام بما راج داخل المحكمة، مما يدل على أنها سطرت خارج جدران المحكمة. واعتبرت الأستاذة عفاف حاجي زوجة محمد المرواني، بأن تخفيض الأحكام للمعتقلين السياسيين الخمسة فقط، دون الآخرين يدل على أن الأحكام جاهزة لا ترتكز على أي سند قانوني أو منطقي، مضيفة نحن لا نرضى الظلم لا لأنفسنا أو لغيرنا. وشددت الدكتورة بديعة بناني، زوجة العبادلة ماء العينين، بأن مثل هذه الأحكام والمحاكمات هي ما يعمل على صناعة التخلف في بلداننا، إذ تهدر الأموال والأوقات والطاقات بدل أن توجه لبناء ونماء الوطن. وقبل النطق بالحكم، حضر المحكمة إلى جانب الحقوقيين، وفد عن حزب العدالة والتنمية، ضم إلى جانب آخرين، عبد الإله بن كيران، الأمين العام للحزب، وكل من رضى بنخلدون وعبد العالي حامي الدين، عضوا الأمانة العامة وصباح بوشام، عضو الكتابة الإقليمية، معبرا عن تضامنه مع أسر وعائلات المعتقلين. وعلمت التجديد من مصدر موثوق أن وفدا عن الحزب ضم سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب والحسن الداودي، عضو الأمانة العامة، وجميلة مصلي، نائبة برلمانية عن الحزب، قاموا يوم صبيحة السبت الماضي بزيارة بيت المعتقل السياسي العبادلة ماء العينين، عضو المجلس الوطني للحزب، للتعبير عن دعمهم ومساندتهم والتأكيد على أن القضية سياسية. وفي كلمة له، خلال وقفة احتجاجية خارج أسوار المحكمة لعائلات المعتقلين وممثلي حزب الأمة، والبديل الحضاري، الحزب الاشتراكي الموحد، وكذا الجمعيات الحقوقية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، اللجنة الوطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين الستة... تعهد أحمد الساسي، نائب الأمين العام لحزب الأمة بمواصلة النضال حتى إطلاق سراح جميع المعتقلين، وقال بأن هناك مهندسين يعملون على إعاقة الحرية والديموقراطية في المغرب. واعتبر الحقوقي أحمد وايحمان بأن الرد الصحيح على هذه الأحكام هو ائتلاف كل شرفاء الوطن في جبهة معسكر الإصلاح، في مواجهة معسكر الفساد. هذا وأيدت المحكمة نفسها الحكم الابتدائي القاضي بالسجن المؤبد في حق عبد القادر بليرج، المتهم الرئيسي ضمن هذه المجموعة التي تضم 35 شخصا. وأيدت المحكمة الحكم الابتدائي القاضي ب30 سنة سجنا نافذا في حق كل من محمد اليوسفي، ورضوان الخليدي وعبد الصمد بنوح وعبد الله الرماش، وجمال الباي وعبد اللطيف بختي، والحسين بريغش. كما أيدت الأحكام الابتدائية الأخرى المتراوحة ما بين 15 سنة سجنا نافذا وسنة واحدة موقوفة التنفيذ.