بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله و كفى، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، وعلى كل قائم بالقسط شاهد بالعدل وبعهد الله أوفى. جناب الرئيس المحترم، الهيئة الموقرة ... أيها الدفاع القسورة، أهلنا وأحبتنا، أيها الشرفاء الأوفياء لقيم العدل اصطفافا مع الأبرياء ... السلام عليكم ورحمة الله ... لسلام قسط عادل يتشوف ... ومن ظلام قسط عادل يتخوف! رباه ! اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، وبعد: في الحديث الشريف من لم يشكر الناس، لم يشكر الله... وذي مناسبة أجدد فيها الشكر الجزيل والثناء الجميل، لكل من شد أزري وشاركني أمري، وردا قاسمني أسري وإصري وصبري فالله أسأل أن يثيبه عديل أجري، وأخص بالذكر عترتي وأهل بيتي، وقبيلتي وحزبي الذين كانوا لي نصيرا، والهيئات الحقوقية والسياسية والإعلامية التي كانت لي ظهيرا، وقبلهم ومعهم، وبعدهم وبهم، هيئة الدفاع التي أبلت بلاء عز له نظير؛ ... ثم الشكر موصول لهيئة المحكمة على تجديد تبصرها وتمديد تصبرها، راجيا لها الرشاد في أمرها والسداد في حكمها، وملتمسا منها الإصغاء بأبصار الأفئدة، والإنصات ببصائر العقول، لسماع شهادتي فيما حصل وإفادتي فيما نزل، بين حق أبلج أوضحه، وباطل لَجْلجٍ أدحضه، حرصا على أن ترسو سفينة المحاكمة على بَر البِر القضائي، الذي تطمئن إليه النفس الحانية إلى العدل الساطع، وتقر به العين الرانية إلى القسط الناصع! السيد الرئيس، الهيئة المحترمة، وبعدما تحملنا الأذى لما ينيف عن حولين كاملين أذانا بالصبر الجميل، وتكلفنا ضريبة الإضراب عن الطعام والكلام بيانا للهجر الجميل، نفتح اليوم صفحة عيانا للصفح الجميل، آملين التوفيق للوفاء بالعهد من الجليل الجميل، والفضل خ بعد الله جل وعلا- للمبتدي وإن أحسن المقتدي، إذ ليست القوادم كالخوافي، وعسى البارِقة لا تخلف، ما سرى فينا أمل وتفاؤل أن يستمطر غيث الفرج من غيمة الشدة ! واحترازا من كل انتكاسة قاصمة، نبتهل إلى الله باستعاذة عاصمة: اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور! أي نعم،... الآن وقد عادت الأمور لعترها والعود أحمد، فبصدق أقولها: وإن جنحوا للمحاكمة العادلة فاجنح لها وتوكل على الله، فاللهم عليك توكلت ولك أسلمت وبك دافعت ورافعت، أنت حسبي ونعم الوكيل، نعم المولى أنت يا رب ونعم النصير، غفرانك ربنا وإليك المصير...! أجل، المحاكمة العادلة هي الكلمة السواء التي ما فتئنا ندندن حولها، مع وعينا أنها كما الإيمان، تزيد وتنقص؛ تزيد باحترام المساطر وتفعيلها، وتنقص بخرق ذات المساطر وتعطيلها، ولعل تصويرنا المستمر ضدا على إرادتنا كما ينص القانون، دليل على أن مطلبنا كان ولا زال بالحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة، ولم يكن قط شرطا تعجيزيا ولا تحديا استعراضيا، لأن ما دون ذاك الأدنى، هو الذي أجاءنا آنفا إلى إيثار خيار المنية على مسار الدنية! فعسى بشارة تأتينا بالسانح بعد البارح، فيجرى الأمور على أذلالها، ويتبع الفرس لجامها والناقة زمامها، مستيقنا أن في الاعتبار غنى عن الإختبار، بعد ما أغنى الصباح عن المصباح! السيد الرئيس، السادة المستشارون، عندما جيء بي أمام قاضي التحقيق، سمعت صك اتهام عجبا، ولما أفرج عن محضر الضابطة القضائية واطلعت عليه، ازددت تعجبا، أما ما جرى في المرحلة الابتدائية، فيصدق عليه القول إن هذا لشيء عجاب! وكيف لا يتعجب، وكعك الحكم الخيالي، من عجين البحث التمهيدي السوريالي ، لكأنها بنت صفا تقول عن سماع ، أما الحقيقة فقد رآها الصادر والوارد، بعد ما أبدى الصريح عن الرغوة، وتعالت أصوات الحقوقيين صادحة لحظتئذ : أفحكم سنوات الرصاص يبغون؟!، وأيم الله، لو أنصفت النيابة العامة لاستراحت وأراحت، فكم أهذر حبرا وورقا بلا معنى، وكم أهدر وقتا وورِقا دون جدوى! وأذكرها لأن الذكرى ههنا تنفع المؤمنين بالأمن القضائي، أنه ليس من العدل سرعة العذل، وإلا أصبحت المحاكمة كالصريم. الهيئة الموقرة، لقد خرَّقوا لي تهما صكا صكا، فانبرى دفاعي لها دكا دكا، بما أوتي من لغة بالغة البلاغة في التبليغ، ومستبينا تبيين البينات بالبيان المبين، مقدما بين يديه من البراهين فرائدها، ومن القرائن قلائدها، بيد أن كل ما صرَّفه من أدلة، تم صرفه بلا تَعِلَّة، بل وما قال تمرة، إلا ردت النيابة جمرة!... وبالرجوع إلى شريط الأحداث، يتضح أن قطار المحاكمة قد انحرف ومنذ الوهلة الأولى عن سكة العدالة، كأن بينهما برزخا وحِجرا محجورا، ودون الخوض في التفاصيل التي سارت بذكرها الركبان، نكتفي بسرد المفاصل الثلاث التي طفت بالحيف والبهتان، فنقول والله المستعان: أولا: تعمد التقويل وتفرد التأويل: إذ بات من المعلوم بداهة في هذا الملف، أن الرواية الرسمية تقوَّلت في سندها ومتنها، ونسبت ما شاءت إلى من شاءت بزعمها، ثم تفردت بشرحها وتأويلها طائفة من الحواة هم حماتها، مسترهبين الناس من التشكيك في عصمتها، حتى بدت كأنها منسوخة من لوح علم اليقين! ثانيا: فساد التعليل وكساد التدليل: وقد تولى كبره قضاء التحقيق، إذ جمع في نثره بين سهيل والسهى، وحار في قرار إحالته من أهل القانون أولوا النُهى، ورغم أن نصه كان أنكى من حاطب ليل ضِغثا بالشمال وإِبَالة باليمين، فقد حاز صفة المرجع المبين والمورد المعين، وارتقى بالرواية الرسمية إلى سدرة حق اليقين! ثالثا: صول التهويل وهول التنزيل: فما كان للظل أن يستقيم في ساح المحكمة الابتدائية، وهيئتها تتبنى العود الأعوج للرواية الرسمية؛ وعلى إيقاع تعسير بلسم عسل المساطر، وتيسيير علقم أسل المحاضر، جاشت بنا النيابة العامة في بحر مرافعتها، بعد ما سال بنا سيل محاضر صيغت تحت إمرتها؛ فشهدنا كيف صالت بلا دليل، و كيف جالت وأساسها عليل، تتلمس وتلتمس طوق الإدانة وإن التبس السبيل، فجاء الحكم مصدقا لها وعن الحق زليل، مؤذنا في الناس أن الرواية الرسمية هي عين اليقين ! ... أما أنا، فمستمسك ببراءتي حتى يأتيني اليقين. الهيئة المحترمة، قبل فك صك الاتهام، أبسط بين أيديكم فقرتين: الأولى : وتشمل أربع تساؤلات: واحد: هل يستطيع الإنسان من الناحية العلمية، تذكر واستحضار تفاصيل وقائع يعتبرها عادية وعابرة في حياته، وقد مضى عليها ما ينيف عن العقد والنصف؟! وإذا صح ذلك بالتحليل العلمي وليس بالتشريح الأمني فما هي المعايير المنضبطة التي تحدد قدرة وطاقة أي منا لإجراء هذا التمرين؟! اثنان: وعطفا على ما سبق، إذا كان القضاء المتخصص فيما يسمى بالإرهاب، لم يتذكر ولم يستحضر أنه قضى سابقا، في إحدى نوازل هذا الملف عام ,1994 فكيف أطالب بتفاصيل حدث عابر وقع عام ,1992 ما حضرته أصلا؟! ثلاثة : إذا كان للشهادة دورها في النفي والإثبات، وما دامت الأبواب قد صدت في وجوه من كنا نريد مثولهم ليؤدوا الشهادة لله، فإن أطياف السياسيين وطلائع الحقوقيين وقشدة المثقفين والفاعلين المدنيين، قد تداعت إلى نصرتنا في ائتلاف بديع وإجماع رفيع، جسدته اللجنة الوطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين الستة، ولهم مني على الأثير مباشرة، بطاقة عرفان وتقدير؛ فهذه المبادرة لم تحصل قط بهذا الحجم في هكذا قضايا، وبناء عليه؛ ألا يكون لهذه الشهادة الجماعية المبدئية والوازنة نصيب في التحقيق والتدقيق، والتحرير والتنوير، لاستكشاف الحقيقة كل الحقيقة؟! أربعة: إن مسلسل هذه المحاكمة يكشف عن حقيقتين جوهريتين: الأولى، وتتعلق بالمساطر القانونية، إذ اتضح أن خرق المسطرة شكل الأصل، وأن احترامها مثل الاستثناء؛ أما الحقيقة الثانية وهي نتيجة للأولى، فهي الإخلال بشروط المحاكمة العادلة، بدءا من انتهاك قرينة البراءة وسرية التحقيق، مرورا بحرماننا من الحصول على نسخ من محاضر الضابطة القضائية، وبالتالي إجراء التحقيق التفصيلي، ثم عدم تمتيعنا بالسراح المؤقت، بالرغم من انتفاء حالة التلبس واستفاء كل الشروط والضمانات القانونية، وأخيرا وليس آخرا، استبعاد الشهود وتغييب ما سمي بالمحجوزات؛ والسؤال، لمصلحة من تنصب الحواجز حتى لا تسطع شمس الحقيقة؟!