يوم الأحد الماضي أنهى الرئيس البلغاري زيارة لليبيا استمرت يومين التقى خلالها الرئيس الليبي معمر القذافي، وبالطبع على أمل إنهاء دراما الممرضات البلغاريات الخمس ومعهن الطبيب الفلسطيني أشرف الحجوج، وذلك بعد صدور حكم الإعدام بحقهم جميعاً في قضية نقل فيروس الإيدز لمئات من الأطفال الليبيين. وكانت مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد زارت ليبيا قبل أيام والتقت العقيد معمر القذافي على أمل الإفراج عن الممرضات والطبيب مقابل وعد بقيام الاتحاد بتقديم الرعاية الطبية للأطفال المصابين كما لو كانوا من أبناء الاتحاد. يذكر أن الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات قد حكموا بالإعدام رمياً بالرصاص في شهر ماي الماضي، بعد اعتقالهم منذ عام 1998 بتهمة حقن 426 طفلاً ليبياً بفيروس الإيدز، وبالطبع في محاكمة مسرحية دامت سبع سنوات لم تثبت خلالها التهم وفق المعايير القضائية المعروفة في الدول التي تحترم الإنسان، بقدر ما ثبت أن المتهمين قد اعترفوا بالتهم المنسوبة إليهم تحت التعذيب القاسي الذي سيدفع أي أحد إلى الاعتراف بأنه قتل أمه، فضلاً عن حقن أطفال بفيروس الإيدز. بحسب التخريج الليبي المثير للقضية، فقد كان الطبيب الفلسطيني المسكين الذي لم يكن سوى طبيب متدرب (طبيب امتياز) في مستشفى بنغازي، عميلاً للموساد، فيما تواطأت معه الممرضات البلغاريات. ولا يعرف بالطبع لماذا يستهدف الموساد أطفال ليبيا بالإيدز، وما الذي كانت ستجنيه الدولة العبرية من فعل كهذا؟! لا مكان للمنطق في لعبة من هذا النوع، والحقيقة هي أن ما جرى لم يكن سوى نتاج أخطاء طبية مردها الأوضاع المزرية التي كان يعيشها المستشفى الذي يعالج فيه الأطفال مع أن الأصل أن تكون المستشفيات الليبية من أرقى مستشفيات العالم، لكن أموال الشعب الليبي لم تكن تستخدم لمثل هذا الترف، إذ كانت تبعثر هنا وهناك في مغامرات القائد المعروفة لتغيير العالم!! من المؤكد أننا نتعاطف إلى أبعد حدود التعاطف مع مأساة أولئك الأطفال الذين قضى الموت على خمسين منهم إلى الآن، ومعه أهاليهم البؤساء الذين عانوا وسيعانون الأمرين، لكننا ندرك بالمقابل أن المسؤول عما جرى هو النظام بإهماله لمواطنيه وإهدار أموال البلد بالطرق التي يعرفها الجميع وآخرها شراء بقائه بعشرات المليارات؛ من تعويضات لوكربي إلى الطائرة الفرنسية، إلى مقهى ليل بألمانيا، وما خفي من صفقات لا يعرفها إلا الراسخون في المطبخ الغربي والأمريكي!! من الطبيعي أن يميل العقل إلى أن أهالي أولئك الأطفال ليسو مقتنعين بمسؤولية الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات، أقله المسؤولية الجنائية، أي توفر القصد الجرمي، حتى لو توفر عنصر الإهمال فيما جرى، وهو جانب تكفيه سبع سنوات عجاف من السجن والتعذيب. ولو كان القرار بيد أولئك الأهالي لوافقوا على الصفقة التي طرحتها المفوضة الأوروبية القاضية بتعويض من توفي أطفالهم ومعالجة البقية في أوروبا أو وفق المعايير الأوروبية مقابل الإفراج عن الطبيب والممرضات. حتى الآن يصر العقيد القذافي على ترك القضاء يأخذ مجراه بعدما استؤنف حكم الإعدام، لكن الجميع يدرك أن القضاء الذي أقفل الملف بتلك الطريقة للخروج من مأزق الاعتراف بالسبب الحقيقي لما جرى، لن يعود عن قراره، اللهم إلا إذا رأت القيادة أنها الطريقة المناسبة لإقفال الملف، وحينها فإن الأصل أن يدفع لكل واحدة من الممرضات وللطبيب تعويض مناسب عن سنوات السجن، أما مطالبة العقيد بتعويض الأطفال بذات التسعيرة التي خضعت لها تعويضات ضحايا لوكربي، فهي نوع من التعجيز ليس إلا، ذلك أن بلغاريا لن تدفع عشر معشار المبلغ. أما السؤال المعلق فهو من الذي سيفاوض أو سيدفع عن الطبيب الفلسطيني المسكين، أليس الموساد الذي جنده (بحسب قناعة القيادة الليبية) ولماذا لا تطالب تل أبيب بالتعويض، أقله مقابل أموال اليهود الليبيين التي تركوها وراءهم،التي أبدت القيادة الليبية استعداداً للتفاوض بشأنها؟!! ياسر الزعاترة