كان مثيرا أن يتم إشهار ورقة الخوف على الاقتصاد المغربي من فتوى الشيخ أحمد الريسوني القاضية بتحريم التسوق من المتاجر الكبرى التي تبيع الخمر، وأن يوازى ذلك بحملة تشهيرية في بعض المنابر المكتوبة بالفرنسية، والتي لم يتردد أحد كتابها في الربط بينه وبين السلفية الجهادية، ولا نستغرب إذا ما رفع البعض ورقة الحريات الفردية في مواجهة هذه الفتوى، بل وحتى المسؤولية المعنوية عن التسبب في كساد المتاجر الكبرى بسبب هذه الفتوى، وتهديد مناصب الشغل التي توفرها. إلا أن الغائب الأكبر في هذا النقاش هو المجتمع الذي يؤدي ثمن هذا الانتشار المهول في مراكز تسويق الخمور من أمنه وصحته ودخل أفراده المدمنين ومستقبل أطفاله واستقرار أسره، لتبرز الحجة الاقتصادية الجزئية والمتخوفة على المستثمرين الكبار أما المستهلكين فلا بواكي لهم. كل ذلك يقع والبعض لم ينبته إلى أن تلك الحجة هي نفسها قد تستعمل عند الحديث عن المخدرات والقمار والدعارة وغيرها من أنواع الاقتصاد المحرم الذي ينظر لأرباحه وتغيب خسائره الاجتماعية والأمنية والصحية، هو نفسه المنطق الذي يدعو للاستسلام أمام الكوارث الاجتماعية ودفن الرأس في الرمال، في الوقت الذي تمكنت فيه بلدان وعلى رأسها فرنسا من تخفيض استهلاكها من الخمر إلى النصف وسن التشريعات الصارمة لمحاربة ترويجه على الأطفال أو إشهاره في الفضاءات العمومية والمنابر الإعلامية وما قد يصاحب ذلك من تغرير باستهلاكه، فضلا عن التذكير المستمر بمخاطره الصحية والإصرار على التأكيد على علاقته بالسرطان وارتفاع احتمال الإصابة به عند المدمنين عليه، أما العقوبات الخاصة بالسائقين فحدث ولا حرج عن قسوتها. إن فتوى الشيخ الريسوني ألقت حجرا في بركة راكدة، بسبب الإصرار الذي قد يصنف في خانة النفاق، على عدم فتح حوار وطني حول هذه الآفة بعد أن ارتفع الإنتاج إلى 38 مليون قارورة في السنة من الخمر العادي بعد أن كان في حدود 35 مليون قارورة، وارتفع الاستيراد من حوالي 10 ملايير سنتيم في سنة 1994 إلى أزيد من 52 مليار سنتيم في سنة ,2008 والإصرار كذلك على أن النص القانوني الموجود والذي يعاقب على السكر العلني كاف لحل المشكل، إن المغرب مطالب بخطة وطنية لمكافحة الخمر تشمل مختلف الجوانب الدينية والثقافية والإعلامية والصحية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، تتيح التقليص التدريجي من استهلاكه وتعاطيه، ولنا هنا أن نذكر بأن آخر مؤتمر لرابطة علماء المغرب في سنة 1998 دعا في بيانه الختامي إلى إصدار قانون شامل لمنع الخمر، وإلى غاية تحقق ذلك فإن الحل هو نشوء مقاومة مدنية تتجاوز الاختلافات السياسية والإيديولوجية لمصلحة صحة وأمن المجتمع.