في بعض الأحيان، وفي سبيل الزواج بالمرأة التي يحب، يميل الرجل الى إطلاق العديد من الوعود... كأن يتعهد لزوجته بأن تكمل دراستها، أو أن يسمح لها بالعمل، أو أن يؤمن لها مستقبلها ماديا ومعنويا... بل ثمة وعود خيالية.. وحين يجمعهما بيت واحد، ربما تستحيل الوعود إلى أمنيات (مجهضة ومجهدة) فلا الوعد وعد ولا العهد عهد.. فلماذا يعد الرجل بما لن ينفذه؟ وكيف يؤدي عدم الوفاء بالوعد إلى تنامي ظواهر اجتماعية غير محمودة؟ الدراسة أولا لم تكن الفتاة (م. ح) التي كان يفصلها عن السن القانوني للزواج شهر واحد عند كتابة عقد الزواج تدري أن حلمها بإتمام الدراسة بعد الزواج سينكسر أمام جدار عدم الوفاء بالوعد من قبل زوج يفوقها سنا وعلما، وهو مهندس الدولة الذي لم ينجح في هندسة أسرة متماسكة. قصة (م. ح) مع عدم الوفاء بالوعد بدأت بمجرد تمكن الزوج من إتمام الدخلة أثناء الزيارات المتبادلة بين العائلتين وقبل التحاق الزوجة ببيت الزوجية. تعتبر (م. ح)، حسب شهادة مصدر مقرب، من التلميذات المجتهدات، إذ كانت السنة الماضية تحصل على معدل 17 على 20 في المستوى النهائي من الباكلوريا شعبة العلوم الرياضية، وحين تقدم لخطبتها مهندس دولة قبلت بشرط أن تكمل دراستها، وهو الشرط الذي تم تدوينه في عقد الزواج. وبالرغم من أن الزوج ذو مستوى علمي عال وأسرة الفتاة على قدر محترم من النضج، إلا أن هذه الفتاة وجدت نفسها ضحية بعد أن تلقت أول صدمة تتجلى في الإخلال بالوعد، وكان رد فعلها وأسرتها طلب الطلاق، وهو ما تم فعلا بقرار من المحكمة التي قدرت الضرر ولبت الطلب، كما فرضت على الزوج تعويضا ماليا لن يستطيع لملمة الجرح المعنوي الذي لحق هذه الفتاة. وبالرغم من كل المشاكل والصعاب استطاعت (م. ح) العودة إلى الدراسة، حسب ما أكد لنا المصدر ذاته، خلال السنة الدراسية الحالية، وحصلت على نقط جيدة في الفروض التي أنجزتها إلى حدود كتابة هذه السطور. ويبقى باب التساؤلات مطروحا أمام هذه الحالة وحالات كثيرة مشابهة من ضحايا عدم الوفاء بوعود ما قبل الزواج. وعلق مصدرنا على هذه الحالة بالقول: أولا من الناحية الشرعية فالمسلمون عند شروطهم، ثم إن المدونة الجديدة خولت للمرأة أن تشترط كل شرط لا يحل حراما أو يحرم حلالا، وشرط إتمام الدراسة ليس حراما، وما دام هذا الزوج قد قبل هذا الشرط فإن عليه الوفاء بذلك، وما دام لم يوف به فإن للمحكمة أن تقدر الضرر وإن كان التعويض المادي الذي يقدمه لها يكتسي دلالة معنوية فقط. الضحية ولد (ف. م) شابة لم تكمل دراستها الجامعية حتى تقدم لخطبتها شاب يقيم في الديار البلجيكية، وعدها بأن يرافقها إلى الضفة الأخرى التي هي بلد الغرب، ولم تكن تدري أنه سيجعلها تنتقل إلى عالم المطلقات. التقت التجديد (ف. م) ذات الخمس وعشرين سنة وهي متوجهة إلى عملها بإحدى الشركات بالرباط، فقد حصلت على إجازة التعليم العالي بعد الزواج في انتظار لحاقها بزوجها، لكنها وجدت نفسها وابنها الصغير ضحية عدم الوفاء بالوعد. قالت (ف. م): إن زوجها (مع التحفظ على هذه الصفة كما تقول) وعدها بأن يسوي لها وثائق الإقامة ويصطحبها إلى الخارج، لتبقي متنقلة بين أهلها وأهله بالمغرب، لكنها فوجئت بعد مرور سنتين من الزواج بالزوج كل مرة يطلب منها تنازلا معينا، وهي تثق به، وتنفذ التنازل تلو الآخر إلى أن طلب منها أن تنفذ طلاقا صوريا ليتمكن من زواج المصلحة الصوري أيضا ببلجيكا، وحينها يسوي لها الهجرة. إلى هذا الحد لم تستسغ الزوجة تحمل البقاء في كنف زوج أعمته المصالح حتى أصبح كل شيء لديه صوريا. وحسب ما قالته (ف. م) فإن القصة لم تنته بعد بالطلاق النهائي وليس الصوري؛ لأنها تنتظر مجيئه لإنهاء ما أسمته بالمهزلة. (س. ز) ضحية أخرى من ضحايا عدم الوفاء بوعد الإقامة مع الزوج خارج أرض الوطن، فقد ظنت وظن أهلها أنها أسست أسرة مستقرة، وحملت بالطفل الأول والثاني وهي تنتظر بمدينة الفقيه بنصالح اللحاق بزوجها بإيطاليا، وكل مرة يأتي فيها الزوج يتذرع بأحد أسباب عدم إتمام تهييء أوراق الإقامة لزوجته التي بقيت مع أسرته المتعددة الأفراد، وحينما طال الانتظار قررت الزوجة طلب الطلاق، وهو ما لم يتردد الزوج في الاستجابة له وكأنه كان ينتظر تلك الفرصة، خصوصا وأن بقاء الزوجة مع الأهل لابد، ومعه مشاكل ربما رجحت لدى الزوج الميل نحو كفة الأهل والتخلي عن الزوجة وطفليها من أجل كسب ما أسمته هذه الزوجة الرضى على حساب بنات الناس، أي أنه يرغب في نيل رضى أهله دون مراعاة لحاجيات زوجته وأبنائه. والوظيفة أيضا إلى جانب الإخلال بوعد الاستمرار في الدراسة أو السفر خارج أرض الوطن، هناك أيضا وعود أخرى يتخلى عنها الأزواج بعد الزواج لا يتسع المقام للتفصيل فيها؛ من قبيل منعه الزوجة من العمل بعد الزواج في وظيفة كان يعلمها قبل ذلك أو يعلم أنها ستكون، وهناك من يخل بوعد استقلالية السكن عن الأهل، إذ يتم قبول الزوجة لأمر مؤقت قد يصبح رغم أنفها دائما، أضف إلى ذلك بعض الوعود المادية والمعنوية من قبيل التخلي عن التدخين أو الخمر، ووعود قد ترسم أمام الفتاة عالما جميلا فإذا بها تصطدم بواقع معاكس لما سجلته في مخيلتها، وهو ما يؤثر على صفو الحياة الزوجية في ما بعد بلاشك. رأي علم الاجتماع يرى حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع، أنه من الناحية الاجتماعية يمكن القول إن الأمر يتعلق بأشخاص ربما تكون لديهم شكوك في أن تقبل بهم الفتيات فيلجؤون إلى وعود تكون في بعض الأحيان مبالغا فيها، إذ يطلقون العنان لذكر أشياء كثيرة سيتم تحقيقها للمرأة، وخصوصا التي يعرفون أنها حريصة عليها. لكن بعد الزواج يتم الاصطدام بالواقع المخالف لما تم رسمه، مما يجعل الزوج يتراجع عما وعد به. وهناك بعض الرجال يكونون صادقين في الوعود التي يذكرونها لشريكة الحياة؛ إلا أن تغير الظروف يفرض عليهم عدم الوفاء بما وعدوا به شريكة حياتهم. وأضاف قرنفل أن المدونة الجديدة خولت للزوجين كتابة عقد إضافي لعقد الزواج يتضمن الشروط بينهما، ليعلق بأن ذلك غير كافي لضمان استقرار الأسرة، لأن أحد الزوجين قد يوافق على وضع بعض الشروط، ولكنه قد يخل بتلك الشروط برغبته أو تحت ضغط معين. وبخصوص الحالة التي أصبحت فيها التلميذة ضحية عدم الوفاء بالوعد، قال قرنفل: إن تزويج الفتاة وهي ما تزال راغبة في إتمام دراستها يمكن أن يكن خطأ، إلا أن تكون هذه الفتاة في المراحل النهائية من التعليم العالي أو بصدد إعداد دكتوراه، لأنه، حسب قرنفل، ولو كان الزوج متفهما، فإن الظروف تتغير بالنسبة للفتاة، إذ تصبح لديها مسؤوليات جديدة قد تعرقل لها إتمام الدراسة، كما أن الزوج بعد سنة أو سنتين قد يفكر في الأبناء، وهو ما يتطلب جهودا إضافية، وقد يحدث جوا من سوء التفاهم ومن التوترات قد تعجز أمامها عن مسايرة الدراسة، والحل في هذه الحالة هو تأجيل الزواج إلى حين إتمام الدراسة، اللهم إذا كانت في مرحلتها النهائية. وفي ما يتعلق بالإخلال بالوعد بتوفير الإقامة بالخارج، يتأسف حسن قرنفل لما يعرفه المجتمع الحالي من تغيرات، إذ إن كثيرا من الناس لم تعد نظرتهم للزواج على أنه ذلك الرباط المقدس، بل يرى فيه البعض قضاء مصالح، فالفتاة أو الفتى يكون همه من الزواج تحقيق السفر إلى الخارج أو مصلحة ما، وهو ما يهدد استقرار الأسرة وبهذا يكون أحد الأطراف ضحية، كما قد يكون الأبناء ضحية، وبالتالي ظهور مشاكل في العائلة وفي المجتمع تؤدي إلى تنامي ظواهر اجتماعية غير محمودة. والحل السليم في نظر حسن قرنفل هو أن تبنى العلاقة الزوجية على الصراحة ومراعاة الواقع، إذ إن عدم وجود وعود من كلا الطرفين هو الأفضل... والاتفاق على كل شيء من البداية بشكل واضح هو أسلم طريق يجب أن يسلكه كلا الطرفين لكي يضمنا عيشة هنية، ولكي نجنب الأسرة مشاكل الصدمات وطلب الطلاق.