مع انتهاء كل محطات الاستحقاق الانتخابي، ومع انطلاق الدخول السياسي الجديد بافتتاح السنة التشريعية الثالثة، تتجدد نفس الأسئلة التي أفرزتها تداعيات ما بعد استحقاق السابع من شتنبر ,2007 ثم عمقتها التطورات غير المسبوقة لاستحقاق 12 يونيو 2009 وما تلاها من استحقاقات أفضت إلى تجديد ثلث مجلس المستشارين. لقد أشر استحقاق 2007 على تراجع في المسار الديمقراطي، إلا أن الاستحقاقات الأخيرة زكت القناعة في وجود حالة من التردد وفقدان البوصلة السياسية، وعودة مراكز النفوذ المقاومة للإصلاح السياسي الفعلي القائم على ضمان تعددية سياسية فعلية وحياة ديموقراطية سليمة، والتي انخرطت من خلال استغلالها لمختلف أشكال النفوذ الإعلامية والسياسية والاقتصادية في حملة لاستهداف العمل السياسي الحزبي، وإفقاده استقلاليته، وتعميق أزمة مصداقيته وهشاشته. - فمن جهة، تبدو أحزاب الأغلبية الحكومية مفككة وغير قادرة على تأمين استقرارها، كما لو كانت أقلية، تستمد عناصر استمرارها من خارجها، ويزداد الوضع تفككا مع الأزمة التي عاشها حزب التجمع الوطني للأحرار، والتي تؤشر على بداية تحلل تدريجي بعد إزاحة قيادته القديمة، وفي ظل تفاقم حدة التوتر بين كل من حزبي الاستقلال والاتحاد. - ومن جهة ثانية، يظهر حزب الأصالة والمعاصرة كمعارضة فاقدة للهوية السياسية المنسجمة مع شعار المعارضة، في وقت تحول فيه إلى أداة سلطوية لإعادة ترتيب المشهد الحزبي وتحالفاته في المجالس المنتخبة؛ ضدا على ما أفرزته صناديق الاقتراع، ومجرد مناورة تسوق لذاتها بخطاب التحديث، لكنها لا تعدو سوى مجرد ورقة في حركية التدافع والصراع حول السلطة والثروة والقيم بالمغرب. - وفي المقابل، تعزز مسار التقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الشاتراكي بشكل جزئي دون أن تتضح مآلات تطوره الاستراتيجي في ظل حملات مضادة لهذا التقارب، مع بروز قضية مواجهة التراجع الديموقراطي كمرجعية مؤطرة للتحالفات التي أخذت تنشأ في الحياة الحزبية بالبلاد. يبدو أن هذه هي الملامح الثلاثة الأساسية للمشهد السياسي، فإذا انضافت إليها الانتظارات التي يتطلع إليها الشعب المغربي والملفات الثقيلة الموجودة على طاولة التدبير الحكومي، وبشكل خاص، حصيلة التنمية البشرية التي كشف التقرير الأممي حول التنمية البشرية لسنة 2009 على الصعيد العالمي تراجع المغرب عن الرتبة 126 إلى ,130 ثم ملف الوضعية الاجتماعية في ظل ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، وملف الحوار الاجتماعي الذي يبدو أن الحكومة لحد الآن لم تستطع أن تقدم فيه مقترحا يحظى بالحد الأدنى من القبول من قبل المركزيات النقابية، ناهيك عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، إذا انضافت هذه الملفات الثقيلة، إلى الوضعية المتفككة والهشة للحكومة، فإن الأفق السياسي لهذا الدخول يبدو استثنائيا يفرض الانخراط في مراجعات سياسية حقيقية. إن الانخراط في مسيرة تصحيح ديموقراطي لما حصل من تراجعات يمثل أحد مهام المرحلة الراهنة، والافتقاد إلى الوضوح في الحياة المؤسساتية يزيد من تعميق نفور الاستثمارات الأجنبية من القدوم للمغرب، كما يعيق، وبشكل جسيم، القدرة على اعتماد سياسات فعالة لمواجهة معضلات التنمية بالبلاد، والتي تأتي التقارير الأممية لتفضح حجم التردي الحاصل فيها. إن المغرب ليس فقيرا من حيث موارده المادية أو قدرته البشرية، لكنه فقير في نظام حكامته وتدبيره، والذي يعرف وجود مؤسسات منتخبة ضعيفة المصداقية تسيرها أغلبيات مفككة، وتخضع لضغوط فوقية، بما يتيح لكل أشكال الفساد في التدبير أن تمتد لتسبب خسائر مكلفة للمغرب، بلغت بحسب تقرير مؤسسة ترانسبرانسي 27 مليار درهم في السنة، في تدبير الصفقات العمومية فقط. للأسف لم يقم المغرب بالقراءة الصحيحة لما حصل بعد اقتراع السابع من شتنبر 2007 لتكرر نفس المأساة بعد اقتراع 12 يونيو، وحصيلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية كافية لوحدها لتنبه المغرب إلى المنحدر المهدد بالانزلاق إليه.