في كل مرة تخرج للعلن مراجعات تنظيم من التنظيمات أو قيادة من القيادات التاريخية، يتجدد الجدل حول مدى مصداقيتها وحقيقة الدوافع الكامنة وراءها لكن مع الزمن يتركز النقاش حول الآثار المستقبلية لها على التنظيمات الأخرى، وهو الشيء الذي نلحظه مع المراجعات الليبية الأخيرة والنقاش المغاربي حول حدود انتقالها إلى التنظيم الأساسي ممثلاً في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. الواقع أنه رغم أهمية هذا الجدل، فإنه يبقى محكوماً بنبرة تفاؤلية مفرطة في بعض الحالات، مما يعوق القدرة على الاستشراف الموضوعي، لاسيما أن الدراسة العلمية لدينامية التنظيمات التي عرفت مراجعات لا تزال محدودة ولم تبرز بعد دراسات حول حركية المراجعات والعوامل المتحكمة في امتدادها أو انحسارها، مما يجعل الحديث التفاؤلي عن الآثار مجرد أمانيّ أكثر منه توقعات علمية مدروسة. من الناحية العلمية يمكن الوقوف عند ثلاث مراجعات كبرى، الأولى هي مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر والثانية مراجعات الدكتور فضل الذي كان أحد القيادات في تنظيم الجهاد بجزئيها، والثالثة مراجعات الجماعة الليبية المقاتلة، وبموازاة ذاك صدرت مراجعات جزئية عن أبي محمد المقدسي القيادي الأردني ذي الأثر البالغ على موجة التنظيمات السلفية الجهادية الحديثة، ورغم التشابه في الإشكالات محط المراجعة بالنسبة للثلاث الأولى على وجه الخصوص، بل التقارب الشديد في اعتماد نفس الأطر المنهجية والشرعية في المراجعة، مما كان يقتضي الاكتفاء بواحدة واعتبار الأخرى مجرد صدى، فإن المتأمل في طبيعة الإجابات المقدمة في التجارب الثلاث على تلك الإشكالات يلحظ حضوراً بالغاً لدور الممارسة العملية في التطور الفقهي والفكري لقيادات تلك الجماعات، وهو ما جعل من المراجعات نتاج تفاعل جدلي للممارسة مع الفكر، أي أن ممارسة وتجربة وخبرة كل تنظيم حكمت في المحصلة مضامين المراجعات، وأدت في النهاية إلى صياغات متباينة. لذلك كانت آثار المراجعات تتسم بالموضعية لا تتجاوز معها حدود دائرة التنظيم المعني أو محيط القيادة التي قامت بالمراجعات، كما أدت في النهاية إلى صدور ردود مضادة ممن لهم تجربة ميدانية مغايرة أو مختلفة، ترى في تلك المراجعات تراجعات، خاصة أن المنطق الاستدلالي المعتمد في بناء المراجعات لم يخرج عن المنطق الاستدلالي الذي سبق اعتماده في بناء مقولات التنظيم في الجهاد المسلح، وهو ما يمكن أن يلاحظ بسهولة عند كل من تنظيم القاعدة في ردود الفعل التي صدرت عن الرجل الثاني فيه أيمن الظواهري أو في الحالة الجزائرية مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. تقدير مركزية الممارسة والخبرة الناجمة عنها سواء على مستوى الموقف من الدولة أو العلاقة مع المجتمع أو النظر للمحيط الدولي والجهوي يساعد كثيراً على التوقع أو عدمه لانتقال المراجعات من هذا التنظيم إلى ذاك، ويضاف لذلك وضعية التنظيم ومستوى الإقبال عليه أومستوى فاعليته الميدانية، حيث قلّ أن تظهر مراجعات عند تنظيمات في حالة مد وتقدم، أو في وضعية إقبال من المتعاطفين وتوسع عضوي، أو في حالة صمود عسكري ميداني، كما أن أثر مراجعات الآخرين يكون هو الآخر محدوداً على ذلك التنظيم، وهذا لا ينفي حصول مراجعات فردية وجزئية لكن احتمالات تطورها إلى حالة جماعية يبقى محدوداً، كما لا ينفي كذلك كون مراجعات بعض التنظيم تأثرت بمراجعات سابقة لكن عندما يوجد التنظيم الأخير في شروط مشابهة للتنظيم الأول من حيث الممارسة والخبرة. في المقابل ثمة أثر للمراجعات يهم الحد من حالات استنساخ التنظيمات القائمة أو على الأقل إضعاف قدرتها الاستقطابية، كما يخدم توجهات الاعتدال والوسطية في الحركات الإسلامية الحديثة، وهي آثار تبقى لها أهميتها المقدرة بالمقارنة مع الأثر المنشود في الحالة الأولى.