تمثل قيمة ما يروج في زكاة الفطر في المجتمع المغربي ثروة كبيرة كامنة، لكن عدم تنظيمها يسبب في هدر قيمتها المالية وحرمان المجتمع من مورد تنموي تضامني فعال. وتعاني زكاة الفطر من انتشار ثقافة إخراجها بالعين بدل القيمة المالية، ومن فاعلية شبكة المتسولين المحترفين الذين يمنعون وصولها إلى مستحقيها من الفقراء الحقيقيين. قيمتها المالية بين315 و 235 مليون درهما يمكن تقدير القيمة المالية لهذه الثروة انطلاقا من كونها تؤدى من الناحية الشرعية النظرية عن كل مسلم صغيرا وكبيرا وبغض النظر عن وضعه الاجتماعي. وحسب منشور إسقاطات 2004 2030 السكان والأسر للمندوبية السامية للتخطيط فإن عدد السكان في المغرب لسنة 2009 يبلغ 31 مليونا و 514 ألف نسمة، ( غير المسلمين يمثلون أقل من 1 في المائة ) وحسب ما أفادت به مختلف المجالس العلمية التجديد فإن القيمة المالية لزكاة الفطر في المعدل هي 10 دراهم، وتتراوح بين 5 دراهم حدا أدنى و15 درهما حدا أقصى حسب المدن. وانطلاقا من هذه المعطيات وبعملية حسابية بسيطة نكتشف أن القيمة المالية الإجمالية لزكاة الفطر لشهر رمضان الحالي هي 315 مليونا و140 ألف درهم، (31 مليارا و514 مليون سنتيم)، سيتم ترويجها في ظرف الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر رمضان، على اعتبار أن غالبية المغاربة تعودوا إخراج الزكاة ليلة العيد أو صبيحته. وإذا اعتبرنا أن هذه الزكاة موجهة حصرا إلى الفقراء، وأن هؤلاء سوف يكتفون باستقبال هذه الزكاة دون أن يخرجوها عن أنفسهم، وبما أنهم، حسب آخر أرقام المندوبية السامية، يمثلون 8 ملايين فقير تقريبا( المصنفين تحت عتبة الفقر والمصنفين في وضعية الهشاشة) فإن المغاربة الذين ستخرج عنهم الزكاة يمثلون 23 مليون و514 ألف نسمة. وهو ما يعني أن القيمة الإجمالية لزكاة الفطر لشهر رمضان الحالي هي، في حدها الأدنى، 235 مليون و140 ألف درهم، ( 23 مليارا و514 مليون سنتيم). ونستنتج مما سبق أن القيمة الإجمالية لزكاة الفطر لشهر رمضان الحالي تتراوح بين315 مليون و 140 ألف درهم في الحد الأعلى و235 مليون و140 ألف درهم في الحد الأدنى. تضاهي قيمتها المالية قيمة بعض الصناديق العمومية تمثل القيمة المالية الإجمالية للزكاة مبلغا مهما بالمقارنة مع بعض الميزانيات المحددة في مشروع القانون المالي لسنة .2009 فهو يمثل ما بين 10 و 14 في المائة من الغلاف المالي المرصود مثلا في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لسنة ,2009 والذي يناهز مليارين و250 مليون درهم. كما يمثل من بين 31 و 23 في المائة من ميزانية صندوق دعم أسعار بعض المواد الغدائية التي حددت في مشروع الميزانية في مليار ومليوني درهم. ويمثل ما بين 25 و18 في المائة من ميزانية الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات التي حددت في مليار و253 مليون درهما في سنة .2009 ويمثل ما بين 52 و39 في المائة من توقعات برنامج التعاون الوطني لسنة ,2009 حسب نفس المصدر، والتي حددت في 600 مليون درهم. ويمثل ما بين 88 و66 في المائة من ميزانية التسيير لوزارة التنمية الاجتماعية والتضامن حسب المصدر السابق. وتبين المقارنات السالفة على سبيل المثال أهمية القيمة المالية لزكاة الفطر، والدور الذي يمكن أن تؤديه في التنمية الاجتماعية. لكن ما الذي يعوق الزكاة من أداء دورها التنموي في المجتمع؟ عدم التنظيم والارتهان للصيغة العينية يمكن إجمال الاختلالات التي يعاني منها مشروع الزكاة في 4 مشاكل رئيسية. أولا غياب التنظيم: إذ ينحصر الدور الرسمي في بيان قيمتها المالية من قبل المجالس العلمية وآجالها وأشكالها ومقاديرها العينية. ولا توجد أي مبادرة رسمية على المستوى التشريعي أو التنفيذي بهدف تنظيم جمع الزكاة في شكل من الأشكال. كما يحذر على المجتمع المدني أن تكون له مبادرات في الموضوع؛ باستثناء بعض المبادرات المحدودة. وغياب التنظيم يفسح المجال لعدة اختلالات. ثانيا، الهذر الذي تتعرض له قيمة الزكاة، ذلك أن قطاعا عريضا من المواطنين يحرصون على إخراج الزكاة عينا على شكل حبوب أو دقيق وغيرهما. ويقوم متسلمو الزكاة من الفقراء ببيع ما جمعوه عينا للحصول على المال. وهو ما يبين أن المغرب يعاني من فقر اجتماعي يجد حلوله في الأموال وليس من فقر بيولوجي يمكن معالجته بتوزيع الدقيق وغيره من المواد الغذائية. والمشكلة في عملية البيع أنها تتم بثمن أقل بكثير من قيمتها الحقيقية، مما يتسبب في هدر فظيع لقيمة الزكاة من الناحية المالية، والحد بالتالي من فاعليتها في التنمية الاجتماعية. ثالثا، خضوعها لأعراف قاتلة، إذ يقوم مخرجو الزكاة بتوزيع قيمتها المالية أو قدرها العيني على أكثر من شخص، تفاديا للحرج واستكثارا للمستفيدين. وهذا العرف المنتشر يقلل من فائدة الزكاة بالنسبة للفقراء. رابعا، تحويل اتجاه الزكاة بواسطة شبكات محترفي التسول، والتي تمنع وصول الزكاة إلى مستحقيها الحقيقيين. فهؤلاء المتسولون الذين يقدر عددهم في المغرب ب 500 ألف متسول، يتحركون بفاعلية أكبر في جمع الزكاة، وهم عادة من ينشطون في عملية إعادة الزكاة العينية مقابل المال، ويكتفون بتخزين ما جمعوه بالتسول، وهو ما يفقد أموال الزكاة دورها في الحياة على أكثر من صعيد. على سبيل الختم يمكن أن نستنتج مما سبق أن قطاع الزكاة يمكن أن يلعب دورا حيويا في التنمية من خلال الإسهام الفعال في محاربة الفقر والهشاشة. ويتوقف ذلك على ثلاثة أمور أساسية: الأول يتعلق بتنظيم الزكاة من خلال إحداث صندوق خاص بزكاة الفطر توجه أمواله إلى الأسر الفقيرة أو إلى إحداث مشاريع تنموية محلية توفر مناصب الشغل للفقراء. الثاني يتعلق بإدماج جمعيات المجتمع المدني في المشروع، فقد أبانت منظماته عن فاعلية استثنائية في التنمية. الثالث تحفيز المواطنين على إخراج الزكاة بقيمتها المالية تفاديا لهدر قيمتها الحقيقة في السوق.