شهد تدبير الشأن الديني في العشر سنوات الأخيرة إنجازات مهمة. وإن كان أهمها وقع بعد التفجيرات الإرهابية التي حدثت سنة 2003 ويقضي هذا الإصلاح بتفعيل دور العلماء وتشبيب المجالس العلمية وتوسيعها، بحيث ضوعف عددها من 30 إلى 69 مجلسا، وأنشئ المجلس العلمي الأعلى للجالية المغربية في أوروبا، وتفعيل دور المساجد وتشجيع بنائها، وإطلاق حملة لتأطير الأئمة ضمن مشروع ميثاق العلماء، استجابة لحاجاتهم في التأطير والتكوين المستمر؛ الكفيل بتأهيلهم لمجابهة تحديات الواقع المعاصر، وتطوير الخطاب الديني وأساليب الوعظ والإرشاد، وإدماج العديد من الكفاءات الثقافية والتربوية والدعوية لتحقيق تلك الأهداف، وتطوير الإعلام الديني أساسا بإنشاء إذاعة محمد السادس وقناة محمد السادس للقرآن الكريم. كما اهتم بدور المرأة في مجال الإصلاح الديني فاختير لعضوية المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية واهتم بتكوين الواعظات والمرشدات الدينيات. وبدأت العناية رسميا بالتعليم الديني ولاسيما بتفعيل قانون التعليم العتيق. هناك إذن إنجازات أظنها مهمة وإيجابية بـالرغم من كونها تحتاج إلى تضافر المزيد من الجهود لتطويرها في المستقبل وعلى الرغم من ضعف تنزيل بعضها في أرض الواقع. وإن وجود الصحوة الدينية أضحى اليوم ظاهرة عالمية وفي مختلف الديانات، وهذا يطرح تحدي التفاعل معه. ولا يمكن لدولة تحترم نفسها أن تتغاضى عن ذلك. وملوك المغرب كانوا دائما شديدي الاهتمام بتولي الريادة في تدبير الشؤون الدينية، لأن الدولة نفسها تقوم على الشرعية الدينية. فلذلك هناك عوامل متعددة عامة وخاصة ترتبط بهذا الأمر. وتنتظر مجال الحقل الديني تحديات تنتظر الفاعلين فيه. فهناك أولا تحدي القدرة على الحفاظ على الوسطية من بين العديد من المدارس السائدة في مجال التدين وفهم الدين في العالم الإسلامي عموما وفي المغرب خصوصا. فالإسلام وسطي بطبعه، وهي وسطية في الفكر والعلم والعمل والسلوك، بما يحفظ توازن الشخصية المسلمة وتوازن المجتمع المسلم. أما التحدي الثاني فهو دعم المؤسسات العلمية لتكون قادرة على رفع مستوى التكوين والتأطير، والقدرة على تخريج علماء مجتهدين يمتلكون أدوات التفكير والخطاب العصريين، ولهم القدرة على استيعاب تحولات العولمة. وهو ما سيجعل العلماء قادرين على الإسهام في حركة تجديدية واجتهادية تعالج القضايا المعاصرة ذات العلاقة بإشكالات التنمية والنهضة والتحديث التحدي الثالث يكمن في ضرورة رفع مستوى التنسيق بين الجهود الرسمية والشعبية تعبئة لمختلف طاقات ومؤسسات التدين في المغرب في مسيرة الإصلاح. فالجهود الشعبية لا يمكن الاستغناء عنها، وطبيعة الدين نفسه تقتضي أن يبقى التدين والاجتهاد فيه حرا طليقا. وبالتالي فإن جهود إصلاح الشأن الديني رهين بتنسيق لا يطغى فيه الرسمي على الشعبي ولا الشعبي على الرسمي، وإنما هو تعاون على الخير وتسابق بالخيرات بإذن الله. التحدي الرابع يكمن في قدرة هذه الإصلاحات على التفاعل الإيجابي مع صحوة التدين في المجتمع المغربي، وهي صحوة تسجل حضورا متزايدا لدى مختلف فئات المجتمع وخصوصا الشباب. ففعالية أي إصلاح تكمن في قدرته على تأطير الواقع الاجتماعي لا أن يعيش على هامشه.