ما تقييمك لما نسمع اليوم من فضائح أخلاقية في الميدان الفني؟ للأسف الشديد الميدان الفني تلطخ ودخله كل من هب و دب، فيه من يعرف قيمة الفن وفيه من يجهلها. و أصبحنا نسمع مصائب يندى لها الجبين، و من الممكن أن ننتظر أكثر من ذلك. و أرى أن هذا الأمر الذي وقع ليس من شيم الفنانين، لأن الفن هو الرقي و الأخلاق و النبل و الحس المجتمعي و الرسالة النبيلة. لا بد للفنان أن يتوفر على مواصفات محمودة قبل أن يكون فنانا باعتبار أن الفن هو مرآة الشعوب. و ما حصل اليوم في الميدان الفني يدعو الإنسان إلى التساؤل هل هذه الأمور مقصودة أم لا؟ وربما الأمور ستتغير لأن هناك نقابات و منظمات تناضل من أجل أن لا تعطى صفة الفنان لأي كان. من جهة أخرى؛ التوجه إلى الميدان الفني كان في الماضي مبنيا على أسس متينة: التعامل الأخلاقي بين الفنانين وحب هذا الميدان واحترام المتلقي واحترام الفنان لنفسه، لأنه لا يعقل أن إنسانا يعتبر نفسه مرآة للمجتمع يعطي صورة تعكس شيئا آخر. فالجيل الأول والثاني من الفنانين المغاربة كان يعتبر الفن رسالة نبيلة و مجتمعية، و الدخول إليه كالدخول إلى محراب، لأن أي إنسان يرى الفنان إلا و يتوسم فيه خيرا، لأنه موضع ثقة وحب الناس، فذلك الجيل كان يعي هذه المسئولية و كان يحترمها و يحترم نفسه ليحترمه الناس. هذا الأمر أصبح اليوم شبه مفقودا لأن الدخول اليوم إلى الفن أصبح من أجل حاجة في نفس يعقوب. صحيح هناك فنانون متمسكون بتلك الرسالة النبيلة. لكن في أمور عديدة تجري الرياح بما لا يشتهيه السفين و ليس السفن. لأن في المحنة هو الراكب في السفينة أي السفين. في نظرك لماذا أستوديو دوزيم جاء مختلفا عن البرامج السابقة مثل مواهب؟ برنامج مواهب كان يشرف عليه فنان من طينة مختلفة، لأن عبد النبي الجراري ضحى بماله و بوقته و بصحته للإشراف على البرنامج الذي كان الهدف منه هو فتح المجال أمام مواهب تستحق أن تدخل الساحة الفنية. و جل الفنانين الذين مروا من ذلك البرنامج موجودون في الساحة. و هناك أيضا برامج أخرى كان لها نفس التوجه مثل نادي الشباب الذي كنت مشرفا عليه، و برنامجا آخر كان عتيق بنشيكر مشرفا عليه وكان يستدعي فيه فنانين محترمين. و هذا يخالف ما يوجد عليه أستوديو دوزيم اليوم. ذلك أننا اليوم نرى فيه أمورا تخالف المبادئ التي يجب أن تكون عليها البرامج الشبابية، لأننا نريد شبابا و فناننين بتوجه فني محترم، لإبراز الإبداع المغربي و الأخلاق المغربية و ما تتوفر عليه الساحة الثقافية و الفنية من مميزات و من إبداع، مع ربط الأصالة الفنية و عصرنتها بطريقة من الطرق. لكن ما نراه الآن أن هؤلاء الشباب المتخرجين من استديو دوزيم ينالهم أمران: إما الانغماس في عالم لم يفكروا فيه، أو أنهم يجدون أنفسهم أقل من طموحاتهم. لأن ما يقع في استديو دوزيم هو أن المسؤولين عليه يوصلون الشباب إلى حالة من الانبهار والتطلع إلى النجومية؛ و في الأخير لايصلون إلى شيء. بالأمس كانت الأغنية المغربية محاصرة من قبل الأغنية المشرقية، اليوم نرى المهرجانات أو البرامج تكرس توجها غربيا محضا؟ هذا الموضوع يلزمنا بالحفاظ على المستوى الفني و الموروث الثقافي الغنائي المغربي، و أنا باعتباري نقيبا للمهن الموسيقية طالبت كل المؤسسات المعنية بمناظرة وطنية نتدارس فيها المشاكل العالقة في المجال الفني و ماذا نريد من المجال الفني. و قبل أن نتكلم عن الأغنية المغربية يجب أن نتحدث عن الفضاء الذي تعيش فيه هذه الأغنية المغربية و عن ما تناله هذه الأغنية من تهميش و من ضغوطات من كل الجوانب كأنها شبح مخيف. بينما الأغنية المغربية كيف ما كان نوعها عاطفية أو روحية أو للأسرة أو للطفل، هي الأغنية المركزة التي تنبني على الكلمة الهادفة و الشعر الهادف، والزجل الهادف النابع من واقع المجتمع، و بلحن يحترم أصول المهنة، لكن هناك عدة عوامل لعبت في محاربة هذه الأغنية و في هذا التوجه الذي نال من الشباب، و الذي لا تحمد عقباه بحكم غزو الفضائيات، ثم إننا انغمسنا في التقليد، وانبهرنا بالأجنبي و بالمشرقي و بما تروجه هذه القنوات التي هي مسيرة من قبل أناس يكنون العداء للأمة العربية و للثقافة العربية و لما يمكن أن يصب في الأخلاق وفي التوجه الحقيقي للإبداع و للثقافة الفنية. وهذا يشكل خطورة على أبنائنا و على وطننا و فننا و علينا أيضا. لأن برامجنا الفنية أصبحت تقليدا للبرامج الغربية. وهنا أوضح شيئا، متى بدأت الأغنية الخليجية؟ منذ مدة قليلة، بينما الأغنية المغربية قديمة، لكن الأغنية الخليجية استطاعت أن تحتفظ بمكانتها لأنها لم تترك لونا آخرا يغزوها موسيقيا أو إيقاعيا. نعم نحن فرطنا في ثقافتنا الموسيقية واللغوية على مستوى الكلمة التركيبة الموسيقية و كيف نربي هذا الجيل على المحافظة على كيان أصيل و متجذر. مع العلم أن المغرب يتوفر على مدارس و أنواع و أنماط موسيقية و فنية. وأخيرا، أرى أن هذا البرنامج الذي يسهم في إغراء الشباب و الدفع بهم إلى أمور لا نريدها و لا نتوخاها من خلال اللباس و الصورة التي تقدم لهم على الشاشة، لابد من إعادة النظر فيه و لابد من إصلاح جذري، و إذا كان المشرفين على هذا البرنامج ليست لهم القدرة على معرفة الواقع المغربي الحقيقي وما يريده الشباب، فعليهم أن يبحثوا على من لهم الكفاءات لتدبير مثل هذه البرامج. نقيب المهن الموسيقية المغرب