كشفت وثيقة وقعها مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، حصلت التجديد على نسخة منها،، أن الجماعة ترحب بالعمل في إطار المشروعية الدستورية وفق القوانين الجاري بها العمل، والتي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وأنها لا ترفض أن تعمل في إطار حزب سياسي معترف به وفق ما ينص عليه دستور البلاد في حالة ما إذا خلصت نيات المسؤولين وإرادتهم السياسية، وأكدت الوثيقة على أن الملكية الدستورية تضمن تعددية الأحزاب، واشترط مجلس الإرشاد، في هذه الرسالة التي وجهت من سجن سلا بتاريخ 92 ذي القعدة 1141 والذي يوافق 20 يونيو 1991 جوابا على مقترحات المسؤولين لوضع حد لحالة اعتقال أعضائه وتمتيع الجماعة بحقوقها الدستورية، أن يتم تمكينه من مهلة كافية لتحقيق ما وصفته الرسالة بهدوء النفوس من الإثارات التي سببتها المظلومية علينا، ولنسوغ لإخواننا فكرة قبول هذا الحزب كما تقتضي بذلك قواعد الشورى الإسلامية. وأكدت الجماعة في هذه الرسالة ـ التي كشف عنها الباحث سليم حميمنات في رسالة لنيل الدكتوراه تحت عنوان:السياسية الدينية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب 4891/2002 ـ على رفضها للعنف والأساليب الغوغائية واعتمادها لأسلوب الحوار الديمقراطي الجاد. من جهته، أكد فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة صحة الوثيقة، وذكر في تصريح خاص لـ>التجديد< ننشره كاملا في الصفحة الثانية، بالسياق الذي اندرجت فيه هذه الرسالة، مؤكدا في هذا الصدد أن السلطة لم تكن جدية منذ اللحظة الأولى في إيجاد الحل الحقيقي لمشكل الجماعة السياسي، وأنها قامت بمحاولة وصفها بأنها مكشوفة لمساومة الجماعة على مبادئها كانت غايتها حسب أرسلان هي تقديم الجماعة لفروض الطاعة والولاء غير المشروط، وهو ما رفضته الجماعة ـ يضيف أرسلان ـ جملة وتفصيلا، وتقدمت بصيغة بديلة نقول فيها إنه من حقنا الحصول على حزب بما أن النظام يقدم نفسه على أنه ملكية دستورية تضمن التعددية الحزبية، وأشار أرسلان إلى أن الجماعة رفضت مقترحات الدولة لأنها مبنية على شروط الإذعان والاحتواء، وفي المقابل رفضت الدولة مقترحات الجماعة لأنها لم تر فيها أي تغيير في مواقفها. ويعود سياق الرسالة إلى المفاوضات التي كانت تجري بين السلطات والجماعة، والتي كشف الباحث حميمنات عن تفاصيل مثيرة لها، حيث جرت بوساطة من وزير الأوقاف السابق عبد الكبير العلوي المدغري لإنهاء حالة التوتر بين الجماعة والسلطة على إثر قرار حل الجماعة، والحكم على أربعة من مجلس إرشادها بالسجن سنتين نافذتين، وفرض الإقامة الجبرية على مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين، فبعد الموافقة الملكية على مقترح وزير الأوقاف بفتح الحوار مع الجماعة، سيتم سنة 1991 تشكيل لجنة رسمية مكونة من مدير الشؤون الإسلامية ورئيس المجلس العلمي بمراكش، وسيتم فتح الحوار المباشر مع الجماعة بعد حل مشكل عدم وجود عبد السلام ياسين مع مجلس الإرشاد، إذ سيقترح المدغري نقله من إقامته الجبرية إلى سجن سلا للقاء أعضاء مجلس الإرشاد، واتخاذ موقف جماعي من مقترحات ممثلي اللجنة، والتي كانت تدور بشكل رئيسي على موضوع الموقف من الملكية والمشروعية الدستورية وإدماج الجماعة في العملية السياسية. وكان وزير الأوقاف عبد الكبير المدغري صرح لإحدى الصحف الوطنية أن جهات في الدولة لم تكن مرتاحة لهذا التفاوض، وأنها دخلت على الخط لعرقلته ومنع أي تقدم فيه. وكان فتح الله أرسلان، في اللقاء الصحفي المفتوح الذي نظمته الجماعة ببيته يوم الخميس 12 ماي 9002, قد كشف، في سياق حديثه عن المفاوضات التي أجريت بين مجلس إرشاد الجماعة والسلطة، أن الجماعة أبدت عدم اعتراضها لملاقاة الملك الحسن الثاني، وأن إنشاء حزب سياسي وملاقاة الملك في إطار الاستقبالات التي يخص بها كافة الأحزاب السياسية كان من بين القضايا المطروحة في المفاوضات. وأبلغت الجماعة مفاوضيها أن هذا الأمر يتطلب بعض الوقت (مهلة كافية) واستشارة قيادة الجماعة خارج السجن. وأكد فتح الله أرسلان في نفس السياق، أن الجماعة اشترطت عدم تقبيل يد الملك، وأن المفاوضين لم يعترضوا على هذا الشرط، وأنهم طلبوا أن تكتب الجماعة رسالة إلى الملك تؤكد فيها أن الجماعة لا مشكل لها مع الملك وأنها تقبل لقاءه، إلا أن الجماعة بدل أن ترسل الرسالة إلى الملك بعثتها إلى وزير الأوقاف، واستعملت فيها عبارة لا مانع لدينا لكي نلتقي معه التي أثارت استياء المدغري، حيث طالب الجماعة باحترام التقاليد المرعية عند مخاطبة الملك. كما ذكرت مصادر أخرى أن جهات نافذة دخلت على الخط لتدفع في إفشال المفاوضات. فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان: السلطة رفضت مقترحاتنا لأنها لم تر فيها تغيرا في موقف الجماعة أولا لا بد من الإشارة أن هذه الرسالة جاءت في سياق أوضاع عرفتها تلك المرحلة وأبرزها: - الفوز الكاسح للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر ، فكان المسؤولون في المغرب يحاولون وضع ترتيبات استباقية لتفادي ذلك السيناريو. - كما عرفت المرحلة صعودا قويا للحركة الإسلامية في المغرب وأصبح لها حضور بارز في مختلف المجالات والفئات المجتمعية. - وفيما يرتبط بجماعة العدل والإحسان عرفت المرحلة حصار المرشد الأستاذ عبد السلام ياسين، واعتقال أعضاء مجلس الإرشاد، واتساع دائرة الاختطافات والاعتقالات في صفوف أعضاء الجماعة، وكانت السلطات تهدف من ذلك إلى الحد من توسع الجماعة وتقزيم وزنها السياسي. لكن حصل عكس ما كانوا يرجون حيث عرفت الجماعة توسعا أكثر وتماسكا تنظيميا، وأصبح لها حضور بارز في الشارع من خلال المسيرات الكبرى وكذا البروز القوي لقطاعنا الطلابي في الجامعات. في هذا السياق لجأت السلطة إلى أسلوب التفاوض الذي ظهر منذ الوهلة الأولى أنه لم يكن جديا غايته الحل الحقيقي لمشكل الجماعة السياسي، إنما كان محاولة مكشوفة لمساومة الجماعة على مبادئها ، وظهر ذلك جليا في الرسالة المقترحة من قبل الجهات الرسمية، وهي رسالة كانت غايتها، كما ظهر من صيغتها، تقديم الجماعة فروض الطاعة والولاء غير المشروط. هذه الصيغة رفضناها جملة وتفصيلا وتقدمنا بصيغة بديلة هي التي بين أيديكم والتي نقول فيها إنه من حقنا الحصول على حزب بما أن النظام يقدم نفسه على أنه ملكية دستورية تضمن التعددية الحزبية. وهكذا رفضنا نحن الصيغة المقترحة من قبل الجهات المحاورة لأنها مبنية على شروط الإذعان والاحتواء، ورفض الطرف الآخر الصيغة التي اقترحناها لأنه لم يلمس فيها أي جديد في مواقفنا. *** نص الوثيقة على إثر اللقاء الاستثنائي الذي عقده جماعة العدل والإحسان بكامل أعضاء مجلس إرشادها المكون من السادة: عبد السلام ياسين، محمد العلوي السليماني، عيادي محمد، بشيري محمد، المتوكل عبد الواحد، أرسلان فتح الله وذلك في سجن سلا. وعلى إثر الاقتراحات التي تقدم بها المسؤولون لوضع حد لحالة اعتقالنا وتمتيعنا بحقوقنا الدستورية كاملة غير منقوصة ومع كامل الضمانات. يصرح المجلس بما يلي: .1 إننا نرحب بالعمل في إطار المشروعية الدستورية وفق القوانين الجاري بها العمل في البلاد والتي لا تتعارض مع مقتضيات الشريعة الإسلامية. .2 إننا نؤكد رفضنا للعنف والأساليب الغوغائية. .3 إننا نعتمد أسلوب الحوار الديمقراطي الجاد. .4 إننا نتجنب التبعية لأي تنظيم خارجي. .5 لا نرفض في حالة ما إذا خلصت نيات المسؤولين وإرادتهم السياسية أن نعمل في إطار حزب سياسي معترف به وفق ما ينص عليه دستور البلاد، والملكية الدستورية تضمن تعددية الأحزاب ، على أن تمنح لنا مهلة كافية تهدأ فيها النفوس من الإثارات التي سببتها المظلومية الواقعة علينا، ولنسوغ لإخواننا فكرة قبول هذا الحزب كما تقضي بذلك قواعد الشورى الإسلامية. وحرر بسجن سلا بتاريخ 29 ذي القعدة 1411