لم تكن المغربية مينة غيات تدرك أنها بسفرها نحو إيطاليا تضع مقدمة لقصة ستكتب فصولها بمداد من الألم والعذاب والإحساس بالدونية، إنها قصة امرأة حملت أحلامها وطموحاتها إلى بلد يقال إنه جنة الله على الأرض لتكتشف أنها ذهبت بقدميها إلى جحيم غير حياتها وحياة عائلتها وبناتها. مينة غيات عاشت في تونس طفولتها ومراهقتها لتعود الى المغرب وتحصل على إجازة في الأدب الانجليزي، تزوجت بتاجر وانتقلت معه في بلدان المغرب العربي وضعت ابنتها البكر شيماء بوحنيني سنة 1998 بطرابلس بليبيا، ثم الابنة الثانية فاطمة بوحنيني سنة 2001 برادس بتونس، بعد ان انفصلت مينة عن زوجها ابو بناتها نجيب بوحنيني قررت السفر الى ايطاليا بحثا عن حياة أخرى جديدة تزوجت للمرة الثانية بمواطن ايطالي وحصلت تلقائيا على الجنسية الايطالية، أخذت معها بناتها اللواتي كن في حضانتها وعشن معها في مدينة بولونيا، تصاعدت المشاكل بين مينة والزوج الايطالي، قادتهما في النهاية إلى الانفصال، وضع مينة الجديد كان حرجا فقد أصبحت أما وحيدة لطفلتين صغيرتين الأولى عمرها سبع سنوات والثانية خمس سنوات ولا معيل لهم خاصة وأن الأم لا تتوفر على أي وظيفة ولا تجد من يساعدها ويؤازرها في بلد المهجر، هذه المشاكل جعلتها تلجأ للمصلحة الاجتماعية في المدينة طلبا للمساعدة، خاصة وأن هذه المؤسسة تحث من خلال إعلاناتها المتكررة المهاجرين والمواطنين إلى اللجوء إليها لحل مشاكلهم. ذهبت إليهم ليساعدوني لكنهم أخذوا مني ابنتي تقول مينة في لقاء مع التجديد، رفضت المصلحة الاجتماعية إعادة الصغيرتين لأمهما إلا بعد أن توفر لهما الظروف المناسبة للعيش، تقول مينة وجدت عملا وأحضرت والداي إلى إيطاليا ليعيشا معي وحتى يعتنيا بالطفلتين في غيابي أثناء العمل، لكنهم رفضوا إعادة ابنتاي رغم كل ذلك. في العام الأول، تقول مينة، وضعوا الطفلتين في أحد المراكز التابعة للكنيسة تحت رعاية راهبات ومساعدات اجتماعيات، لقد رأيتهم وهم يأخذون ابنتاي يوم الأحد إلى الكنيسة للصلاة ومعهما قرابة عشرين طفلا، وتضيف كنت أزورهم في تلك الفترة مرة واحدة في الشهر وذلك في قاعة وسطها طاولة وكراسي ومطلوب مني أن ألتزم بعدد من القواعد، منها أن لا أتكلم بأي لغة غير الإيطالية، أن أقبل البنتين مرة واحدة، وأن لا أعانقهما ولا أتحدث معهما عن مواضيع تتعلق بالماضي، كما أنهم كانوا يتابعون مقابلتي معهما بالكاميرات المتواجدة في القاعة. في السنة الثانية نقلت شيماء وفاطمة إلى دار للأطفال، ولم تعد أمهما تراهما منذ ذلك الحين. لقد طرقت جميع الأبواب ولم يساعدني أحد حتى القنصل في بولونيا تجاهلني ورفض مقابلتي، أنا الآن أحس بـالحكرة وبأن بلدي ترفضني وترفض مساعدتي. منذ قرابة شهرين أعطت المصلحة الاجتماعية ببولونيا الطفلتين المغربيتين شيماء وفاطمة لعائلتين إيطاليتين، وكل واحدة منهما تعيش بعيدا عن الأخرى والأم تجهل مكان تواجد هاتين العائلتين. أنا أعيش في جحيم، وأتعذب ليل نهار بسبب بعد بناتي عني، أصبت بصداع مزمن في رأسي وأحيانا أفقد وعيي في الشارع وفي أي مكان، لم أعد أستطيع النوم هكذا تلخص مينة غيات مشاعرها وأحاسيسها منذ أن حرمتها السلطات الإيطالية من بناتها، لكنها وبعد أن عينت لها السفارة محامي أخيرا في بولونيا اتخذت قضيتهما مسارا آخر، حيث دخل والد الطفلتين على الخط، نجيب بوحنيني وضع ملفا لدى الخارجية يطالب فيها بإعادة ابنتيه إلى حضنه ويطالب بأحقيته في حضانتها، لقد قدمنا في الملف وثائق تثبت أن والد الطفلتين يعمل وبأن عنده منزل كما أن والدته كتبت تعهدا تقول فيها إنها مستعدة لتربية البنات عندما يعدن إلى حضن والدهما. الملف بعثت به وزارة الخارجية المغربية إلى القنصلية في بولونيا وما زلنا ننتظر أن تتحرك القضية من جديد على أساس أن الأب هو المطالب بالحضانة لأنهم حرموني من الحضانة بشكل نهائي تقول مينة غيات. وتضيف الإعلانات التي توزعها المصالح الاجتماعية تقول فيها بأنها تساعد العائلات لكننا عندما نقع في شباكها تنتزع منا أطفالنا وتبيعهم للعائلات الثرية تقول مينة بأنها تأكدت من عدة مصادر بأنهم يبيعون الأطفال مقابل مبالغ هامة، وقد قال لها محامي إيطالي متزوج من مغربية أن العديد من الأسر تعاني بسبب تدخل المصلحة الاجتماعية.