إلى جانب ما سطره عقلاء النخبة الإسلامية اليوم، مثل د. الشاهد البوشيخي في مقالته حول فقه واقع الأمة دراسة في المفهوم والشروط والعوائق، أود. ماجد عرسان الكيلاني في كتابه إخراج الأمة المسلمة أتقدم بما أعتبره خطوة حيوية وسابقة على كل الخطوات، من أجل بناء ثقافة التوافق والتعاون لتحل محل ثقافة الصراع والإقصاء، بعيدا عن صنمية الهياكل والأسماء، وعصبية الانتماءات السياسية. وهو ما أختزله في عبارة المصالحة العاجلة والشاملة والخالصة عبر ثلاث مستويات: أ ـ على المستوى الرسمي الصرف: مطلوب على هذا المستوى مصالحة عاجلة وشاملة، خالصة بين كل الأنظمة الإسلامية،...لحل الإشكالات الحدودية والسياسية والاقتصادية فيما بينها، خصوصا الجيران...ينبغي تصفية الأجواء ورد الأسرى وضبط الحدود بالخرائط، وتحديد جدول واضح للتعويضات والديون. ينبغي التخلي عن الصراع الإيديولوجي، وإقرار كل نظام بشرعية النظام الآخر مهما اختلفت طبيعتهما أو مشروعيتهما...بغض النظر عن اعتقاد كل نظام الآخر. ولتكن قدوتهم في ذلك أوربا التي تمضي بخطى حثيثة نحو وحدة شاملة في زمن لن تعيش فيه إلا التكتلات العملاقة. هذه خطوة ضرورية عاجلة وممكنة تهيئ لخطوة أخرى ممكنة أيضا، هي تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي...لعمليات رفع مستوى التبادل الاقتصادي والتعاون الصناعي... و تحرير بعض القيود على حركة البضائع والأشخاص والمؤسسات بين بلدان العالم الإسلامي...وتحديد سقف أدنى للتنازل الإسلامي في قضية فلسطين وغيرها من القضايا، تجاه مؤامرة السلام ومهزلة التطبيع،... آنذاك تقل حاجة هذه الأنظمة للغرب، ويقل خضوعهم لأمريكا. وبالتالي ترتفع عنهم الحاجة إلى مهادنة الصهاينة. ب ـ على المستوى الرسمي ـ الشعبي: مطلوب على هذا المستوى أيضا: مصالحة عاجلة شاملة خالصة بين الأنظمة من جهة، وبين القوى السياسية والإسلامية من أحزاب وحركات إسلامية. ينبغي إنشاء هذه المصالحة على أرضية مواجهة العدو الصهيوني. ويستلزم ذلك تخلي بعض الأحزاب السياسية كلية عن عقلية التآمر و الانقلاب عن طريق الإستعانة بالقوة الأجنبية. وتخلي بعض الحركات الإسلامية عن العنف باسم الجهاد، مما يفيد الأعداء فقط. قدوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في مرحلة الدعوة حيث التحم بالصبر والمسالمة. وهذه أمر ضروري وملح لإبطال المخطط الإسرائيلي لإشعال الفتنة داخل كل قطر إسلامي، حتى تزداد الأنظمة خضوعا لابتزازات الصهاينة وهيمنتهم، وتضعف قدرة المقاومة الشعبية ضد التطبيع، والتي تقودها أساسا الحركات الإسلامية. يستتبع ذلك مرحلة طبيعية هي الحد من تضخم الهاجس الأمني من جهة الأنظمة وما يستلزمه ذلك من تخفيف الاعتماد على منطق الأسلحة والقمع، وفي المقابل العمل على توسيع هامش الديمقراطية ولو قليلا لاستيعاب التناقضات السياسية والاجتماعية بدل قمعها، فتنفجر. ويتم بذلك أيضا نوع من التفاهم بين الشعوب والأنظمة حاصلة إطلاق يد القوة الشعبية لمواجهة التطبيع الشعبي ومنعه، مقابل غض الطرف نسبيا عن التطبيع الرسمي باعتباره أمرا واقعا آنيا، في أفق انفراج تثمره هذه المصالحة، يقوي قدرة هذه الأنظمة على الصمود في وجه الضغوط الخارجية. وسيكون أول ثمار هذا الاختيار، هو تحقيق قدر أدنى من الإستقرار، يجلب الاستثمارات الخارجية، ويشجع الاستثمارات الداخلية، ويفجر طاقة الإبداع والعطاء لدى الشعوب لأن الشعور بالكرامة والإستقرار هو الطريق الوحيد للازدهار، ويوقف نزيف الإهدار المالي والفكري والنفسي الذي يسببه الاقتتال الداخلي في شبه حرب أهلية بين الحكام والقوى الشعبية. ونقترح للشروع في تحقيق ذلك، تشكيل لجان للمساعي الحميدة تسعى لتخفيف حدة الاحتكاك ما بين الأنظمة والنخب، من أجل تقليل الصدام بين الحكام والمعارضين. والنتيجة: وقف مآسي انتهاك حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، وسل فتيلة الفتة. ج ـ على المستوى الشعبي الصرف: مطلوب على هذا المستوى أيضا مصالحة عاجلة شاملة خالصة بين القوى السياسية أحزابا وجماعات ضاغطة، وبين الحركات الإسلامية والعشائر والقبائل والأقليات الدينية والعرقية والمذهبية ، والجمعيات الأهلية والمدنية. وذلك بتأسيس أخلاق الحوار والشورى، والإحتكام إلى صناديق الإقتراع، وتوقيع ميثاق شرف يكون كلمة سواء بين الفرقاء، يتعاهدون فيه على نبذ العنف المادي واللفظي والفكري فيما بينهم، ويقرون بالتعددية وحق الجميع في الوجود الثقافي والإجتماعي، واحترام الدساتير والقوانين المنظمة لحقوق وواجبات المواطنة. يهيئ هذا لمرحلة لاحقة مستعجلة أيضاً، هي تكوين جبهة موحدة في كل قطر عربي على الأقل، تجمع كل القوى الشعبية على أرضية قاسم مشترك يمثل الحد الأدنى المتفق علية من برنامج الإنقاذ.ويتضمن: 1 محو الأمية ودعم انتشار التعليم. 2 الدفاع عن الثوابت للحفاظ على الهوية ضد اكتساح العولمة. 3 بناء استراتيجية مقاومة التطبيع الشعبي، ودعم أشكال الممانعة للتطبيع الرسمي. 4 ـ السعي لبناء مؤسسة سياسية شعبية لمعالجة المشكلات ذات الأساس الإثني. 5 ـ تحويل البناء الديموقراطي من مجرد مشروع للاستهلاك إلى فعل تربوي. وفي التصوري المتواضع أن هذا برنامج أدنى يخفف من لجوئنا جميعا إلى القوى الأجنبية: يخفف من لجوء الحكام إلى القوى الأجنبية احتماءً بها من الشعوب، إذ يوصلهم هذا اللجوء إلى الابتزاز. ويخفف من لجوء المحكومين إلى هذه القوى الأجنبية تظلماً لها من الحكام، إذ يوصلهم هذا اللجوء إلى التوظيف.