ألقى الدكتور العبادلة ماء العينين المعتقل السياسي المتهم ضمن خلية بليرج أمام هيئة الحكم بملحقة محكمة الاستئناف بسلا يوم الثلاثاء 19 ماي 2009، كلمة عنونها ب شهادتي في ما حصل وروايتي في ما نزل فيما يلي الجزء الثاني منها: جناب الرئيس، ثمة سؤال بديهي يطرح نفسه: (لماذا تم إقحام حزبنا في هذه القضية، من خلال إقحامي أنا بالذات؟ أما الجواب، فغاية في البساطة والوضوح، وضوح النور المنبعث من المصباح، وهو أن هذا الحزب الأصيل يزعج بعطائه حسابات البعض، ويربك بصفائه طموحات آخرين، ولكونه صبر وصابر ورابط في خندق الصلاح والإصلاح والذود عن الصالح العام، ولو تطلب منه ذلك التنازل عن بعض حقوقه السياسية، كما حدث عندما حرمت قيادته من تأسيس حزب التجديد الوطني عام ,1992 ليس ذلا ولا مهانة كما يلوك البعض، وإنما لتفويت الفرصة على الذين يزرعون بذور الفتن، وبعدها يتـفننون صيدا في الماء العكر! أقول إن هذا الحزب مشهود له وطنيا ودوليا بالوسطية والاعتدال، وتبني الخيار الديمقراطي، منهجا وسلوكا، وبدوره الفاعل والفعال في تفعيل المشهد السياسي وتجديد حركتيه، وسعيه الحثيث لرفع منسوب الثقة في العملية السياسية لدى فئات عريضة من الشعب، ولا غرو إذن أن احتل الصدارة في اقتراع 7 شتنبر ,2007 من حيث عدد الأصوات. بيد أن أقلية منتقدة من خصوم الحزب، والذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف المشدودين إلى سنوات الجمر والرصاص، غاضها البريق الساطع من المصباح، وبدل المنافسة الشريفة، والتسابق النزيه في خدمة الوطن والاحتكام إلى صناديق اقتراع شفاف ونظيف، ركنت إلى أسلوب التحريض والشهير، وما برئت أنفسهم بعد من شوائبه حملاتهم المسعورة، التي أوقدوا نيرانها بعيد الأحداث الإجرامية لماي ,2003 حينما ألبسوا الحزب المسؤولية المعنوية! ومن المفارقات المقرفة أن إعلامنا العمومي، الذي يمتص جزءا معتبرا من أموال دافعي الضرائب، ما انفك يغذي عقول ونفوس شبابنا بثقافة الإجرام والإرهاب، عن طريق بث أفلام العنف والقتل المنتجة في هوليود، أكبر خزان ثقافي للإرهاب في العالم، ومع ذلك، لا أحد حمل هذا الإعلام رسميا مسؤولية معنوية في نشر ثقافة الحقد والجريمة والإرهاب! سيدي الرئيس، إنني لست بصدد إضفاء قداسة ما، أو حصانة ما، على أعضاء ومناضلي الحزب، فهم بشر يأكلون ويمشون في الأسواق، ويصيبون ويخطئون، وقد يصاب أحدهم بلوثة فكرية أو عدوى أخلاقية، فتزل قدم بعد ثبوتها، وتزايل خط الحزب ومنهجه، ولكن الإشكال المطروح، هو أنه جرت سنة سيئة، لمن سنها وزرها ووزر من عمل بها، مفادها أنه كلما أزفت الانتخابات، وبدأت هندسة المشهد السياسي وفق المرسوم له والمراد منه، هرعت جهة مستترة، إلى النيل من مصداقية الحزب والتشويش على أدائه؛ في محاولة بئيسة لجره إلى مناوشات هامشية تستنزف بعضا من طاقاته وموارده .. وقد لاحظ المحللون السياسيون والمنصفون من أهل الرأي، أن الجملة الأخيرة المنطلقة عقب الاستحقاق التشريعي الأخير، والتي يشكل وجودي ههنا إحدى حلقاتها، قد أزبد أوارها وأرغد سعارها في الشهور الأخيرة التي تفصلنا عن اقتراع 12 يونيو .2009 سيدي الرئيس، هناك ما هو أدهى وأمر، ويتعلق الأمر بقضيتنا الوطنية، والتي يسعى البعض أن لا تكون لحزبنا مساهمته الكاملة في الدفع بها نحو الحل النهائي، إذ يبدو أن المشاركة النوعية للحزب على مستوى الأقاليم الجنوبية، وحصوله على مراتب مشرفة في الانتخابات الأخيرة، بالرغم من الخروقات والضغوطات التي مورست في حقه، قد أثارت حفيظة الذين اطمأنوا إلى خرائطهم المعدة سلفا خ من جهة أخرى، فإن المذكرة المشتركة لحزبنا مع شريكه حزب القوات المواطنة، حول مقترح الحكم الذاتي، والتي كان لي شرف صياغة وتحرير مسودتها ضمن فريق رباعي، قبل عرضها على قيادة الحزبين للحسم في صيغتها النهائية، جاءت مطابقة إلى حد كبير للوثيقة الرسمية التي قدمها المغرب على الأمين العام الأممي، وينضاف إلى ما سبق العديد من الندوات الوطنية والدولية، سواء في الداخل أو في الخارج، قمنا بعقدنا ودافعنا فيها عن وحدتنا الوطنية والترابية، وبالرغم من ذلك، نحس بأنه يراد تحجيم دورنا، وتقزيم جهدنا، واسمحوا لي أن أعطيكم مثلين جليين على ذلك، الأول، وقد حدث قبل سنوات، حينما عرض وزير خارجية السودان وساطة لدى إفريقيا الجنوبية، التي تبنت حين ذاك موقفا لصالح الجبهة الانفصالية، اعتمادا على علاقاته الممتازة مع بعض صناع القرار السياسي هناك، وبالرغم من محاولات الحزب، عرض المسألة على من يهمهم الأمر، إلا أن صرفه دبلوماسيا كان هو الجواب على مسعاه! أما المثال الثاني، فهو استثناء حزبنا من قائمة المقترحين لزيارة العواصم المعتبرة من أجل شرح الموقف المغربي وحشد التأييد له، علما بأن الحزب استطاع ربط علاقات جيدة على المستوى الدولي..، هكذا، ومن أجل مكاسب سياسوية ظرفية، نفوت على بلادنا فرصا ثمينة، عائدها السياسي يكسبها نقاطا استراتيجية. جناب الرئيس، إن الماثل أمامكم هو منسق اللجنة الموضوعاتية حول الصحراء والوحدة الوطنية والترابية داخل حزب العدالة والتنمية، الواقف أمامكم أمضى الليالي ذوات العدد نقاشا وحوارا مع العشرات من الشباب الصحراوي؛ سواء داخل قبيلة أو مع إخوانهم من القبائل الأخرى، توجيها وترشيدا، إقناعا وتشديدا، عسى أن ينخرطوا بقوة في العمل السياسي، ويتدافعوا بالحجة والبرهان، مع أنصار الأطروحة الانفصالية، أملا في استمالتهم إلى الأطروحة الوحدوية.. وهنا أطرح تساؤلا مشروعا، هل الذين زجوا باسمي في هذا الملف يريدون فعلا لمثل أولئك الشباب أن يقتنعوا بالعمل السياسي وينخرطوا في مسلسل الإصلاح الديمقراطي بالوطن؟! أبمثل هذه الحسابات السياسوية، المدثرة بسرابيل القضايا الأمنية نبني جسور الثقة ونزرع بذور الأمل؟ أم أن هناك من تهمه، حقيقة، حالة الجمود الملفوفة بظلال الشك والريبة، لأن له في ذلك ريعا سياسيا ومآرب أخرى ؟! أما أنا، فإني أطمئنهم، لم ولن تنالوا بإذن الله من عزمي وقناعاتي السياسية، ومن وراء القضبان، كتبت موضوعين عن الصحراء المغربية، وشاركت بمداخلة في ندوة حول الدبلوماسية الشعبية وقضية الصحراء، وقدمت تصريحا صحفيا ضمنته موقفي مما جرى، كما وقعت رسالة، رفقة المعتقلين السياسيين الخمسة، موجهة إلى الرئيس الأمريكي الجديد، حرصنا على تضمينها فقرة تهم قضية الصحراء المغربية، أما تاريخها فله دلالة رمزية وحمولة تاريخية، إذ صادف ذكرى المسيرة الخضراء (6 نونبر 2008). الهيئة الموقرة، وفي خاتمة هذا البيان، كما بدأنا أوله شعرا نعيدهن وليعذرني الشاعر إن حورت فيه شيئا يسيرا: بلادي وإن جار بعض أهلها عزيزة وذا البعض إن ضن فالسواد كرام وذا البعض، مهما بسطوا إلينا أيديهم بالتنكيل والاعتقال، وألسنتهم بصكوك اتهامات جائرة، ونصوص دعاوى باطلة، فسنظل ندافع بالتي هي أحسن، عسى الله أن يجعل بيننا وبين الذين فاؤوا إلى الحق الساطع، وآبوا إلى القانون الناصع، جسورا أوثق قانونية وأعمق إنسانية، وسنظل نقول التي هي أحسن، حتى لا تنزع شياطين الإنس والجن بين أبناء الوطن.. سنقول بالموعظة الحسنة الحقيقة المرة، .. وسنقول بأطيب الكلام النصيحة الغرة! فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد، قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق، وهو الفتاح العليم.