هناك من يقول بأن فؤاد علي الهمّة راعي الحركة من أجل كل الديمقراطيين جاء لمواجهة الحركة الإسلامية، كيف تقرأون ذلك؟ بسم الله الرحمن الرحيم، أولا، أن يظهر في المجتمع تجمّع هدفه الدخول في منافسة المشروع المجتمعي الذي تتبناه الحركة الإسلامية، فهذا لا يمكن إلا أن يكون مفيدا للبلد وللحركة الإسلامية نفسها، لأن تعدد المشاريع المجتمعية يعطي غنى وتنوعا يكون في غالب الأحيان محفزا للإبداع والتجديد، وعليه فلا يزعجنا في حركة التوحيد والإصلاح ظهور حركة تسمّي نفسها الحركة من أجل كل الديمقراطيين، وتعلن أنها جاءت لمنافسة الحركة الإسلامية. هذا موقفنا المبدئي من أي حركة أو مشروع مجتمعي اختار أصحابه العمل في الميدان، سواء كان عملا مدنيا أو سياسيا.. بل دعني أقول لك إن الصيغة التي ظهرت بها الحركة من أجل كل الديمقراطيين، أي على شكل جمعية وجناح سياسي ورموز وفعاليات مجتمعية، هي صيغة طالما نادت بها حركة التوحيد والإصلاح، تحت شعار وحدة المشروع عوض وحدة التنظيم، أي أننا نقدّر أن المشاريع المجتمعية هي عمل متكامل، ورؤية واضحة، وعلماء ورموز فكرية تحمل هذه الرؤية وتدافع عنها، وتعرّف بها في المجتمع، وكذا نسيج جمعوي يعمل في مجالات متعددة، ثم عمل سياسي مرجعيته هو هذا المشروع المجتمعي، وينطلق منه في التدافع مع الهيئات السياسية الأخرى، وأيضا عمل نقابي وطلابي ونسائي ...الخ. لكن هل تعتقد أن الحركة من أجل كل الديمقراطيين لها هذا المشروع الذي تتحدث عنه؟ لحد الآن لا يظهر شيئا من ذلك، إن الطريقة التي تشكلت بها هذه الحركة، والصيغة التي تم بها تجميع عدد من الفعاليات، ورفعها شعار مجتمع حداثي ديمقراطي، وإعلانها أنها جاءت فقط من أجل مواجهة الحركة الإسلامية، كل هذا لا يطمئننا للقول بأننا أمام منافس حقيقي، يمكنه أن يقدّم للتدافع المجتمعي في المغرب إضافة جديدة وحيوية، ويكون من نتائجها المضي بالبلد نحو الأصلح. لأنني أعتقد أن مواجهة الحركة الإسلامية بشعار الحداثة والديمقراطية تم تجريبه من قبل، ولم يأت إلا بالنتائج العكسية. فالذين تزعمّوه من أعضاء الحكومة السابقة، كانت نتائج الانتخابات أقوى ردّ عليهم.وذلك لسبب بسيط هو أن الحركة الإسلامية ليست فعلا طارئا على المجتمع المغربي، بل هو عمل يومي ممتد في الزمان وفي المكان، بل إن التفاف فئة من المواطنين حولها دليل على أنها تستجيب لحاجياتهم في التجمع، والعمل من أجل تثبيت هوية هذا البلد وقيمه الإسلامية، والوقوف في وجه أي استهداف للتدين أو التجرؤ على ثوابته. وإذن إذا كنت غير منزعج من هذه الحركة، كما أشرت منذ البداية، فإني أضيف إلى ذلك، أنها لن تفلح في تحجيم الحركة الإسلامية، ولا أن تكون منافسا حقيقيا للمشاريع الأخرى، ولا حتى أن تكون بديلا عن الأحزاب السياسية الأخرى. تقولون هذا بالرغم من دعم الدولة لهذه الحركة وبإمكانيات ضخمة؟ في مجال التدافع المجتمعي لا بد من حرص الجميع على المنافسة الشريفة بين جميع الفاعلين، وإذا كان هدف الحركة من أجل كل الديمقراطيين هو إعطاء طور جديد للفعل السياسي والمجتمعي بعد انتكاسة انتخابات التشريعية لـ 7 شتنر 7002, فإن ذلك لن يتأتى إلا بتمكين كل الفرقاء من إمكانيات التنافس والتدافع الحضاري. وإلا فإن الشعب المغربي له ما يكفي من الوعي والذكاء، لكي يفرق بين التجمعات الأصيلة الملتصقة بهمومه، والمنبعثة من أوساطه، والتجمعات الفوقية والموسمية، وخاصة أن هذه الصيغة سبق وأن اعتمدت ولم تفلح في شيء، بل إنها في بعض البلدان أدت إلى حالة الانسداد السياسي والاجتماعي، وأشير بذلك إلى ما وصل إليه الوضع في مصر، حيث عملت الدولة هناك على إضعاف كل الفاعلين السياسيين( الوفد، الناصريين، القوميين، ..)، ولم تُبقٍ إلا على قطب المال والسلطة (حزب الدولة)، في مواجهة قطب الحركة الإسلامية. بمعنى آخر لتفادي حالة الانسداد هذه، ليس الحل هو أن نروّج لخطاب أن الأحزاب السياسية في المغرب شاخت وضعفت وانتهى دورها، ويجب استبدالها بـالحركة من أجل كل الديمقراطيين، من أجل سدّ الفراغ، وخلق التوازن مع الحركة الإسلامية كما يقولون. بل المطلوب عمليا هو فسح المجال لتعدد المشاريع وتنوعها، والحفاظ على أقطاب مجتمعية حقيقية، يسارية كانت، أو يمينية، أو أمازيغية، أو إسلامية. لأنه كما كان ماضي المغرب متنوعا ومتعددا في مشاريعه، فكذلك يجب أن يكون مستقبله، وليس الدفع في اتجاه مغرب القطبين، لأن ذلك ستكون آثاره سلبية على درب التقدم نحو الديمقراطية.