.من حق محرر الجريدة الأولى أن يكتب عن فهم الحركة الإسلامية لقضية تطبيق الشيعة الإسلامية، ومن حقه أن يشابه بين الحركات الإسلامية المعتدلة وبين حركة طالبان في هذا الموضوع إن تيسرت له قرائن علمية تعضد طرحه، وإن كان ما ذهب إليه يكشف عن تهافت كبير في فهم الشريعة ومقاصدها وآليات تنزيلها، فضلا عن القصور في فهم مواقف الإسلاميين بخصوص تطبيق الشريعة والفروق الدقيقة التي تميز أطيافهم في هذه القضية، لكن، أن يتعدى الأمر هذا الحد إلى درجة السخرية بأحكام الشريعة والتعريض بالرسول الأكرم من خلال تشويه مقاصد الجهاد الذي خاضه، فهذا ما لا يعتبر مقبولا بأي وجه من الوجوه.فقد كتب المحرر يزعم أن الذي كان يحرك النبي عليه الصلاة والسلام في جهاده حسب المحرر - وضع المحرر جهاد النبي صلى الله عليه وسلم بين قوسين!- هو الهاجس الشهواني الذي يتمثل في سبي النساء والزواج ممن يلقي الواحد منهم عليه عباءته تعالى نبينا الأكرم عن ذلك علوا كبيرا. وكتب يعرض بأحكام الشريعة قائلا ذلك أن الشريعة الإسلامية التي ينوون تطبيقها لا تحرم الاستعباد على الإطلاق، وإن كانت تحث على عتق الرقاب، بل إنها تحفل بقوانين وقواعد تنظم علاقات السيد بعبيده وإمائه أو ما ملك يمينه كما هو التعبير لقرآني. والحقيقة، أن مثل هذه الأحكام الخطيرة التي فيها إساءة بليغة بالشريعة الإسلامية وبالنبي الكريم ترجع بالأساس إلى جهل كبير بالحد الأدنى من العلوم الإسلامية التي تعطي الإمكانية للولوج إلى هذا الحقل المعرفي الشائك، فالمحرر، على سبيل المثال دخل في معترك آيات الجهاد والقتال من غير التوفر على أدوات الخوض فيه، وهو معترك شائك ليس من البساطة أن نورد بشأنه آية أو رأي مفسر كما فعل المحرر، ونقرر بناء على ذلك حكما، ذلك أن منهجية التعامل مع النصوص في هذا المعترك تفرض استحضار مستويات متدرجة من التعامل أولها جمع النصوص الواردة في الباب الواحد، وبحث مرتبة النص في الدلالة، والتمييز بين الناسخ والمنسوخ مع استحضار أسباب النزول والسياقات والمقاصد وهو ما غاب تماما عن تناول المحرر حين سوى بين الفهم المتشدد لطالبان التي تقفز على كل هذه الاعتبارات، وبين الفهم المقاصدي الذي يتبناه التيار الواسع في الحركة الإسلامية، وحاول بشكل قسري إثبات التطابق بين شريعة طالبان وبين آراء الحركة الإسلامية المغربية، وعلى الرغم من أن صاحب المقال ساق رأيا للدكتور مولاي عمر بن حماد في التوجيه الأصولي لأحكام الحدود، وأنها مرتبطة بشروطها ومواصفاتها، وهو رأي يعكس تقدما كبيرا في فهم قضية تطبيق الشريعة الإسلامية بالقياس إلى الفهوم الأخرى الموجودة على الساحة الإسلامية، إلا أن نية المحرر في إثبات مقولة ليس في القنافد أملس سبقت الاعتبارات العلمية والمنهجية، فسوى بذلك بين من يرى تطبيق الحدود دون توفير شروطها ومواصفاتها ومراعاة انتفاء موانعها، وبين من يربط الحدود بمتعلقاتها، وهي تسوية ضيزى تكشف تهافت المقاربة التي كتب بها المقال هذا إن لم نقل سوء النية في الجمع بين ما لا يجتمع. ولعل مشكلة صاحب المقال أنه بدلا من أن يناقش فهوم طالبان للشريعة الإسلامية، ويبين منزع التشدد فيها ومدى مخالفتها لمقاصد الشريعة، جعل من النصوص الشرعية المشكلة الرئيسة، ولذلك ظهر المقال كما لو كان ضدا على نصوص الشريعة وأحكامها، في الوقت الذي كانت ترجى ثمرته لو سار في منحى التمييز بين المراد الإلهي من النصوص الشرعية، وبين الفهوم التي تضفى على هذه النصوص سواء من قبل طالبان أو الحركات الإسلامية حتى يعطي يجعل بينه وبين النصوص الشرعية بل وبين النبي الأكرم مسافة الوقار والاحترام. ولو فعل ذلك لما سقط في الأخطاء المنهجية في طريقة تعامله مع بعض هذه النصوص كما فعل في آية القتال التي حكا فيها الإجماع على أنها ناسخة دون أن يبذل الجهد في معرفة منهج العلماء في توجيه دلالات هذه الآية وأخواتها، فسقط في منزلق عدم التمييز بين الكافر الحربي والكافر المعاهد، وهي مسألة تعتبر من أبجديات الشريعة في السلم والحرب، وتكرر الأمر في تعرضه لأحكام قطعية خاصة بالحدود كما لو كانت الحدودأحكام طالبان وليست أحكام الشريعة، دون أن يأتي على حيثية المواصفات وشروط التنزيل، وهي دائرة الخلاف الكبرى بين فهم طالبان المتشدد، وما قررته الشريعة في مقاصدها بهذا الصدد . مفيد أن نطرح قضية تطبيق الشريعة الإسلامية للنقاش، والتخوفات التي يبديها البعض من هذه القضية، لكن قبل ذلك، لا بد من أن يتسيج النقاش بأطر علمية تحميه من الانزلاق إلى أحكام خطيرة مرجعها ضعف التكوين في العلوم الشرعية والتطاول على حقول معرفية بدون امتلاك أدوات الخوض فيها.