يشبه المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند المعروف على نطاق محدود قبل حرب غزة الكيان الصهيوني ب طفل لقيط ذلك بأن اليهود اغتصبوا فلسطين في العام 1948 فولدت الدولة العبرية من رحم الاغتصاب. ويرى في مقابلة صحافية مع مجلة تيليراما الفرنسية (29/1/2009) أن الطفل اللقيط يستحق الحياة ولكن شرط أن يتلقى تربية تحول دون أن يكرر سيرة والده المغتصب وأن الدولة اليهودية تستحق هي أيضاً الحياة على أن تقلع عن سيرة الاغتصاب التي كانت في أصل ولادتها. وينفي المؤرخ ربما بسبب رؤيته غير المعهودة في الوسط الأكاديمي اليهودي ينفي أن تكون هذه الدولة معرضة لخطر الزوال .. من يهدد وجودنا؟ لدينا أفضل السلاح وتدعمنا القوة الأكبر في العالم فيما العرب يعرضون علينا السلام الشامل بحدود العام 1967. إن آخر تهديد لوجودنا وقع قبل 35 عاماً (حرب أكتوبر عام 1973). منذ مؤتمر أنابولس في نوفمبر تشرين الثاني عام 2007 كان محمود عباس مستعداً لأن يفعل أي شيء من أجل التقدم في عملية السلام، لقد سجن مناضلي حماس فشكرته إسرائيل عبر زيادة عدد الحواجز في الضفة الغربية ومتابعة الاستيطان على أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة وبناء الجدار العازل . ويضيف مع الأسف لا تفهم إسرائيل إلا لغة القوة، إن السبب في عدم تحقيق السلام ليس الصواريخ الفلسطينية وإنما ضعف الفلسطينيين. لم نوقع السلام مع السادات عام 1977 إلا لأن مصر حققت نصف انتصار في حرب العام 1973. إسرائيل لا يمكن أن تقبل السلام إلا إذا تعرضت لضغوط آمل وأتمنى وأتضرع كي يكون أوباما كالرئيس كارتر وليس كلينتون فقد أجبر الأول إسرائيل على صنع السلام مع مصر وفشل الثاني في إجبار إسرائيل على توقيع السلام مع الفلسطينيين. والخطر يكمن في هيلاري كلينتون المقربة من اللوبي اليهودي، فيما تحتل مساحة كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية . وعما إذا كانت الصواريخ الفلسطينية تسببت في حرب غزة يقول شلومو ساند.. لقد اقترحت حماس هدنة في غزة والضفة الغربية، فرفضت إسرائيل الهدنة لأنها تريد مواصلة قتل مناضلي الحركة في الضفة الغربية، وقد اغتالت 15 من بينهم في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين بعد أشهر من الهدوء، وهذا يعني أن إسرائيل تتحمل جزءاً من المسؤولية عن معاودة إطلاق الصواريخ.. لقد حصرنا شعباً بكامله في الغيتو ونرفض منحه سيادته على أرضه منذ 42 عاماً. فقد اعترف ياسر عرفات ب إسرائيل عام 1988 من دون أن يربح شيئاً بالمقابل. ثم يجب ألا ننسى أن الذين يطلقون الصواريخ هم أبناء وأحفاد أولئك الذين طردوا من حيفا وعسقلان في العام 1948، وهم يعرفون أن عسقلان بنيت على أراضي المجدل حيث طرد آباؤهم عام 1950 . لا يزيدنا شلومو ساند معرفة بسيرة الدولة العبرية منذ نشوئها حتى حرب غزة إلا أنه يريدنا من موقع روايتنا عن اغتصاب فلسطين أن نتسامح مع المولود اللقيط ، بوصفه أمراً واقعاً قابلاً للعيش والتعايش بشروط جديدة لا اغتصاب فيها ولا من يغتصبون.لا بل إنه يذهب إلى حد القول إن الكيان الصهيوني إذا ما اندمج في محيطه العربي يمكن أن يصبح أقل صهيونية و أكثر عروبة كما فرنسا أكثر أوروبية من كونها فرنسية بعد اندماجها في الاتحاد الأوروبي على حد تعبيره. لا يتمتع ساند بسلطة معنوية كبيرة في بلاده، ومن نافل القول إن صدى آرائه لا يكاد يسمع في دولته التي تضج بالتيارات الفكرية والسياسية المتنافسة على تدمير كيان الفلسطينيين والعرب كشرط لبقاء كيانهم آمناً مطمئناً مع فارق معتبر هذه المرة يكمن في أن آراء المؤرخ المذكور كانت غير جديرة بالتداول خارج إسرائيل ، فإذا بها بعد حرب غزة تحتل مساحات كبيرة في وسائل الإعلام الفرنسية وربما الأوروبية والأمريكية في القريب العاجل. وفي حين تخرق آراء شلومو ساند جبهة المدافعين في الغرب عن حق الكيان العبري المطلق في القتل المباح بذريعة حماية أمنه ووجوده مع توفير التغطية الشاملة لجرائمه فإن الآراء نفسها ما زالت عاجزة عن حمل كثرة من مثقفينا الفلسطينيين والعرب على إعادة النظر بحملتهم المحمومة ضد التيار المقاوم عبر إنكار انتصاره المعنوي تارة وعبر تحميله مسؤولية الخراب العمراني والبشري الناجم عن الحرب تارة أخرى. غني عن البيان أن التيار المقاوم ما كان يراهن على شهادة من موقع عدوه حول عدالة قضيته، كما أنه لم يكن ليتخلى عن نضاله كرمى لعيون مبغضي الكفاح من بين أهله، لكن هذا التيار سيستدرج عبر تصميمه ومثابرته على القتال دفاعاً عن حقه المزيد من الأصوات الصهيونية على الخروج من الصفوف المرصوصة دفاعاً عن الكيان الغاصب والمزيد من الأصوات الدولية التي تحول قيمها وثقافتها دون السكوت على الظلم وانتهاك الحقوق، خصوصاً عندما تضعف قبضة الظالم ويتسلل الوهن إلى صفوفه. أما ما تبقى من مثقفينا المناهضين للمقاومة فسيدركهم النسيان ولعلهم لا يعلمون.