سارت الأمور في غزة وجهة غير متوقعة، توالت فيها المفاجآت، فبعد القصف الغادر في الأيام الأولى للحرب سرعان ما تجاوزت المقاومة تلك الضربة المباغثة وعجز العدو عن التقدم كما كان يتوهم أو قل كما أوعز إليه شيطانه . ونحن وإن كنا لا نجزم بشيء من ذلك لكنا نفترضه نتوقعه وهذا لا يمنع منه شيء. فلقد زين الشيطان للكفار يوم بدر الهجوم ووعدهم بالنصر لكنه سرعان ما تولى مندحرا مهزوما لما رأى ما رأى والذين يقرؤون سورة الأنفال يجدون فيها قوله تعالى : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال : 48) ومن زين هذا بالأمس قد أنظره الله إلى يوم البعث وما يزال يزين كما هو شأنه، وما أشبه اليوم بالأمس. ولقد استمر العدوان واستمر معه الخراب والتقتيل ، لكن بالمقابل استمرت المقاومة واتسعت بقعة الزيت وخاب وخسر هنالك المبطلون، وجاء نصر الله والفتح. ولأن في الأمة من سعوا إلى النصر فقد تحقق لهم ما أرادوا فخرجوا مبتهجين بالنصر الذي تحقق ، والذي يمكن اختصار معالمه في جملة واحدة وهي: إن التغيير الموعود تحقق فعلا في غزة لكن عكس ما تمناه وخطط له المجرمون، وتفصيل ذلك في: أولا تثبيت خيار المقاومة بمزيد من التفاف الشعوب حولها،ثانيا تثبيت موقع حماس متزعمة للمقاومة ومستحقة لثقة الخنادق بعد ثقة الصناديق، ثالثا بوادر مصالحة وطنية حقيقية قائمة على أساس حماية الثوابت الفلسطينية، رابعا بوادر اهتزاز صورة اسرائيل في الغرب من خلال المتابعات الجنائية بسبب ما ارتكب من جرائم الحرب... ولأن في الأمة منهزمون فهم إلى الآن لا يصدقون أن نصرا قد تحقق وهم بين منهزم ومتردد وحاقد . فأما المنهزمون والمترددون فهم يحتاجون إلى جرعات إضافية من إنجازات المقاومة لاستعادة العافية والالتحاق بركب الفرحين بنصر الله وما أظن الأيام المقبلة إلا حبلى بذلك. والمتأمل في أوائل سورة الروم يخلص إلى أن للفرح بالنصر شروطا أيضا فقد قال تعالى : الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم : 1ـ 6 ) وللمرء أن يتساءل عن وجه فرح المؤمنين بغلب الروم، ويأتيك الجواب سريعا وهو إنه فرح بنصر الله : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ أما الحاقدون فهم مرضى مزمنون لا يرجى شفاؤهم ولذلك نقول لهم موتوا بغيظكم. إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ (الأنعام : 36 ) والفرح بنصر الله توفيق من الله، والأمة في هذه الأيام أحوج ما تكون إليه ، وهي مناسبة للتنويه بكل الذين ساهموا في هذا الإنجاز الكبير وعلى رأس القائمة المجاهدون المرابطون في أرض الرباط والجهاد ، ثم الشعب الفلسطيني المقاوم المحتضن ، ثم كل الذين دعموا ونصروا وناصروا شعوبا وحكومات، وتحية خاصة لقناة الجزيرة فقد كانت لؤلؤة مضيئة وسط كثير من التعتيم... وهي مناسبة أيضا للتحذير من عمليات الالتفاف على النصر وسرقته والتي لاحت بوادرها من اليوم الأول لما بعد الحرب إذ تنادى القوم إلى شرم الشيخ وهم الذين لم يفعلوا شيئا من ذلك والبيوت والمدارس والمساجد والمستشفيات تدك فوق من فيها من الأطفال والنساء والشيوخ . ثم هاهي بوارج بعضهم ترسل إلى المياه الإقليمية لا لمنع العدوان ، ولا لتمكين سفن فك الحصار من دخول القطاع، ولكن لمنع تهريب السلاح زعموا، ولسان حالهم يقول إذا عجزتم عن القضاء على المقاومة رغم كل هذا الحصار فنحن سنشدد الحصار من جهتنا لتسهل المهمة في المرة القادمة ، وعوض فتح المعابر، سنغلق الأنفاق ونمنع أن يتسرب منها شيء.وسيكون ذلك بأحدث الأجهزة الإلكترونية...وكل هذا من تجليات الغباء والبؤس وصدق الله العظيم القائل في ذات الآيات من سورة الروم: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ إن نصر الله له مقاييسه الخاصة، و العدة والعتاد فيه ليست كل شيء، إن لم نقل عنها إنها ليست بشيء ومن استرق السمع سيجد أهل غزة يرتلون: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمؤمنون أل عمران 160