تقييم جان بيير تيكوا الصحفي بجريدة لوموند لحقيقة الوضع السياسي بالمغرب، والمنشور في العدد الأخير من أسبوعية تيل كيل، ووجهة نظره حول أداء المؤسسة الملكية، وموقفه العدائي ضد العدالة والتنمية لا يعكس فقط توجه صحفي أو كاتب فرنسي تولى تغطية الملفات الإفريقية وقضايا المغرب العربي في العديد من مقالاته وكتبه، وإنما تعكس في الحقيقة وجهة نظر جزء من نخبة إعلامية سياسية فرنسية لا ترتاح للدور الذي تقوم به المؤسسة الملكية في الحياة السياسية المغربية، وتنزعج من النموذج المغربي الذي اختار بكل وعي إدماج الإسلاميين في العملية السياسية، وفي نفس الوقت تتطلع إلى تغيير بنية النظام السياسي واستهداف المؤسسة الملكية في شخص الملك محمد السادس. ملخص تقييم هذا الصحفي للوضع السياسي أن المغرب يعرف تراجعا كبيرا، وأنه في طريقه إلى العودة إلى سياسة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، مضيف أن >فؤاد عالي الهمة يرمز للعودة إلى سنوات البصري بوجه جديد<. أما بخصوص العدالة والتنمية فذهب إلى القول بأن >أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين يشتغلون في المجال المجتمعي هم محافظون وينبغي محاربتهم، وأنه في حال ارتباطهم بالسلطة فإن ذلك سيشكل تراجعا حقيقيا. وأن المشكل في المغرب أنه لا يوجد أحد لمحاربتهم<. إلا أن أخطر فقرة في تصريح تيكوا تجاوزت ما سبق بكثير، فبعد نقده للمؤسسة الملكية ذهب بصريح العبارة إلى القول: > محمد السادس هو هنا منذ 10 سنوات، في فرنسا، خلال عشر سنوات رئيس الدولة يرحل، أعتقد أن المغربي يمكن أن يحلم بشيء آخر غير الذي هو أمامه. يبدو واضحا أن هذا الجزء من النخبة الإعلامية الفرنسية التي يعكس هذا المقال بعضا من قناعاتها عاد ليبث أحلامه السابقة التي تنابذ من جهة الملكية والمشروعية، والتي سبق له أن عبر عنها في كتابه >الملك الأخير<، و تدعو من جهة أخرى إلى التراجع عن خيار إدماج الحركة الإسلامية في النسق السياسي المغربي، والاستعاضة عن خيار الاستيعاب بخيار المواجهة، وتتحسر على عدم وجود قوى سياسية تقوم بدور مواجهة الفاعل السياسي الإسلامي ممثلا في حزب العدالة والتنمية، وهو توجه استئصالي واضح يحذر من أي تقارب بين المؤسسة الملكية والإسلاميين، ويسعى إلى إيجاد مواقع له من خلال التحذير من بعبع الإسلاميين والعجز عن مواجهتهم. يبدو واضحا أن هذا الجزء من النخبة الإعلامية الفرنسية التي ينتمي إليها تيكوا تستهدف ركنين من ركائز الاستقرار السياسي في البلد، يتعلق الأول بالأدوار التي تقوم بها المؤسسة الملكية في الحياة السياسية المغربية، ويتعلق الثاني بصيغة الاستيعاب السياسي التي اختارها النظام السياسي للتعامل مع القوى السياسية ومنها الحركة الإسلامية. بدءا، تجدر الملاحظة أن كل ما أطلقه تيكوا من أحكام لم يأت بأية مؤشرات يدعم بها تحليله، سواء تعلق الأمر بالحكم على مسار المغرب الديمقراطي بالتراجع الحقيقي في حالة مشاركة العدالة والتنمية في الحكومة؛ إذ لم يبن تيكوا حكمه على أية معطيات باستثناء دعوته إلى مواجهة هذا الحزب، أو تعلق بحكمه على أداء الملك خلال عشر سنوات، وهو الحكم الذي تكشف الأوراش الإصلاحية التي قام بها الملك منذ اعتلائه للعرش الإغراض وسوء النية التي يكنها هذا الجزء من النخبة السياسية الفرنسية للملكية في المغرب. إنه من الضروري، عند أية قراءة للواقع السياسي، أن يحصل التمييز بين الثوابت الدستورية والاختيارات السياسية التي مضى عليها المغرب، وبين السياسات العمومية التي يدار بها الشأن العام، إذ إن الخلط بين هذه الاعتبارات، ليس الهدف منه سوى استثمار ضعف الحصيلة الحكومية لاستهداف الخصوصية الدستورية والدينية والسياسية للنظام المغربي، وهو نفس المنزع الذي جنح إلأيه تيكوا في مقاله. ثم، إنه من الضروري من باب أولى، أن يدرك هذا القطاع من النخبة الإعلامية الفرنسية التي يعكس هذا المقال بعض تطلعاتها أن الملكية في المغرب خط أحمر، وأن الإجماع بين المغاربة بشتى ألوان طيفهم هو أكبر من الإجماع الحاصل في فرنسا على مبادئ الجمهورية الفرنسية، فلا يتصور عاقل أن يأتي ناصح يتذرع بضعف أداء حكومة ساركوزي مثلا للطعن في أسس ومبادئ الجمهورية الفرنسية.