حين اشتدت الهجرة اليهودية إلى فلسطين في عشرينيات القرن الماضي، بدعم من القوى الاستعمارية عملوا على السيطرة على حائط البراق والذي يسمونه بحائط المبكى، ويتقربون من الحائط لإضفاء الصفة اليهودية عليه، وتغيير وضعه التاريخي وصفاته الإسلامية، كما بدؤوا يتسللون إليه ويضعون حوله الستائر ويضيئونه بالمصابيح، ويتجمهرون حوله أيام السبت، مما أثار حفيظة المسلمين ضد المحاولات اليهودية، ليتطور الأمر إلى اشتباكات اليومية بين العرب واليهود بلغت ذروتها في غشت 1929 حين حاول اليهود الاستيلاء على حائط البراق أي الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف؛ بحجة أنه جزء من هيكل سليمان، فتصدى المسلمون لهم، واشتعلت ثورة البراق الشريف، وعرضت حكومة الانتداب البريطاني يومها القضية على عصبة الأممالمتحدة، وتشكلت لجنة دولية للتحقيق في ملكية الحائط. خلال هذه الأوضاع عمل قطاع واسع من اليهود المغاربة على جمع المساعدات لليهود المغاربة الذين هاجروا إلى فلسطين ورغم الاعتراض الأول لسلطات الحماية، إلا أنها ما لبثت أن تراجعت مع بقاءها رافضة للمساعدات التي بدأ جمعها بكل من فاسوالرباط وسلا وتطوان، وهي وقائع مجهولة أو منسية اخترنا أن ننقلها لكم من رسالة للوطني الحاج عبد السلام بنونة الذي ولد يوم 2 أبريل 1888 وأبنه الأمير شكيب أرسلان يوم فاتح مارس 1935 واصفا إياه برمز الوطنية المغربية ومضرب الأمثال في الشهامة العربية، وقد خصص له المؤرخ محمد بن عزوز حكيم خمسة أجزاء لسرد حياته تحت عنوان أب الحركة الوطنية المغربية... الحاج عبد السلام بنونة، واخترنا وفاءا له ولجهاده أن ننقل هذه الرسالة من الجزء الأول والتي هي في أصلها رسالة وجهها لابنه الطيب بنونة، وهي مؤرخة في 17 شتنبر 1929 الموافق ل18 ربيع الثاني .1348 وهذا نص الرسالة التي تعكس اهتمامه الكبير بتطور القضية الفلسطينية، وهي الرسالة التي وجهها إلى ابنه الطيب بنونة الذي كان ضمن البعثة الطلابية التي تدرس بمدرسة النجاح بنابلس بفلسطين، حيث بدأ ينشط ضمن نادي جمعية الشبان المسلمين، وتكتسب الرسالة أهميتها من عرضها لما جرى بالمغرب من تضامن مع ثورة البراق الشريف، وكيف تحرك الحاج عبد السلام بنونة ليطلب من ابنه بفلسطين أن يعمل على توجيه رسائل باسم العائلات المغربية المتضررة من أحداث البراق حتى يكون ذلك مبررا لجمع التبرعات بالمغرب وتوجيهها إلى فلسطين وذلك لأن سلطات الحماية منعت جمع التبرعات رغم سماحها لليهود للقيام بذلك، تحت مبرر أنهم يجمعون التبرعات لعلائلات يهودية مغربية. ولدي العزيز البار الطالب الطيب بنونة متعك الله برضاه، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.(...) أرى أن الجرائد قد سكتت بالمرة عن مسألة فلسطين، بلا ريب أن الأمر قد استتب وسكتت تلك القلاقل، فلابد أخبرنا عن ما أسفرت عليه سياسة الانتداب المغتصبة، ولا أظنه إلا تحيزا لأعمال اليهود. لقد جمع يهود المغرب قدرا وافرا من المال وأرادوا توجيهه إلى منكوبي يهود المغرب الموجودين بفلسطين بظهران الحكومة الإنجليزية؛ تمنع كل أمانة مالية أن تدخل فلسطين، فحولوا ذاك حبا ودقيقا، وسمحت لهم بقبول هذه الأمانة ثم أرادت دولة الحماية في المنطقتين منع جميع الأمانة، فاستظهر اليهود بتلغرافات، وصفد باسم يهود المغرب يستنجدون أخوانهم لما أصابهم من الجوع، عندئذ سمح لهم بالجمع وتوجيه الحب والدقيق، وإثر هذا قدم المسلمون بفاسوالرباط وسلا وتطوان لجمع الأمانات لمنكوبين المسلمين، فاعترضت الحكومة الفرنساوية بقساوة، ومنعت الاجتماعات وهردت الجموع وأحضرت شبانا للاستنطاق بإدارة الاستعلامات مرات عديدة، ومن جملة المستضعفين بفاس .... الحسن ابن جلون وعلال الفاسي، وكان موقفها أمام الجنرال حاكم الناحية موقفا شريفا، وكذلك موقف محمد اليزيد بالرباط، وموقف عبد الرحمن حجي بسلا وموقف عمك محمد بتطوان، على أن قنصل إسبانيا بتطوان لم يقابل بقساوة وبتهديد وإنما كان يتحاجج مع عمك بلين وسياسة، ويروجون أن اليهود أعانوا عائلاتهم المغربية الموجودة هناك، وليس هناك عائلات مسلمة مغربية مصابة بالجوع، من الأجوبة الباردة، ولكن بدون قساوة، ومن جملة ما قال الجنرال الطروسي بفاس للحسن بن جلون؛ يجب على من يجهل قبائل بلاده وحدودها أن يهتم بها قبل أن يعرف غيرها، وعدد له قبائل من البلاد المغربية وآخر قال له أتعلم أين موقع هذه القبائل فأجابه الحسن لقد تركنا لكم هذا وأنا لنهتم بقبائل العرب الخارجة عنها كتونس والجزائر وطرابلس ومصر وفلسطين وسوريا وشرق الأردن وجزيرة العرب والعراق وإلخ، وهذه هي قبائلنا الحقيقية قبائل الإسلام. ومن الأسباب الداعية إلى التشديد على أهل فاس هو أنه لم تشعر الحكومة حتى كتبت الشبيبة بيدها ورقة احتجاج على إنجلترا ممضاة مما يزيد على 600 من الأهالي، وهذا الاحتجاج ها هو الآن تحت يد الفرنساويين، وكان مراد الفاسيين رفعه إلى عصبة الأمم. لقد لجأ الفرنساويون إلى السلطان سيدي محمد واقترحوا عليه صدور أمر بمنع المسلمين من الاعتراض والجمع، فكان جوابه عدم صدور شيء من هذا باسمه بوجه من الوجوه، حيث سمحت فرنسا لليهود بتوجيه الإعانة، فلا معنى لمنع المسلمين وقد كان يكون مستعدا للمنع لو كان عاما على سكان المغرب، وبعد هذا رجعوا للمنع بالقوة والتهديد، والله اعلم ماذا يكون بعد هذا؛ إذا كانت بتلكم الديار عائلات مغربية وتضررت من الوقائع الماضية؛ فلا نكره ورود تلغرافات من السيد أمين الحسيني باسم تلك العائلات المغربية؛ يطلبون مساعدة من إخوانهم المغاربة كما فعل اليهود، لتكون تلك التلغرافات حجة قوية بأيدينا نستند إليها في المقاومة، من السيد محمد عزت دروزة، لهذه القضية، وإذا عزموا على التلغرافات سيكون تلغراف فاس إلى السيد عبد السلام المراكشي مع جماعة الأعيان والعلماء، وإلى هذه المنطقة، لا بأس إذا كان باسمي مع جماعة العلماء والأعيان من كهول وشباب، والى الرباط الحاج بوبكر وجماعته، وسلا أحمد بن عبد الله حجي وجماعته الخ وعلى الله نجاح الأعمال. محمد بن عزوز حكيم أب الحركة الوطنية المغربية... الحاج عبد السلام بنونة ص 338 ـ الجزء الأول1987