أبرزت التساقطات المطرية الأخيرة، والفياضات التي سجلت في بعض المناطق، هشاشة البنية التحتية، وعرت واقع التجهيزات التي أقيمت عليها الطرق، مما يطرح تساؤلات عن مدى احترام الصفقات التي تتم بموجبها هذه المشاريع، وتفعيل المراقبة والتتبع، وجدوى الدراسات والأبحاث التي تسبق هذه المشاريع، ومدى مساهمة ضعف الشبكة الطرقية في استمرار ارتفاع وتيرة الحوادث، فضلا على وجود اختلالات في مراحل المشاريع تتمثل في الرشاوي وغض الطرف. هشاشة كانت التساقطات الأخيرة بمثابة النقطة التي أفاضت كأس ضعف البنيات التحتية، والتي طالما أثارت العديد من انتقادات المواطنين أو المستثمرين أو الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، فمجرد تغييرات طفيفة عرفها المناخ، انهارت قناطر وتغيرت ملامح الطرق، واتضح أن العديد من المحاور الطرقية لا تحمل إلا الإسم، لتعود إلى الواجهة أسباب تدني مستوى هذه البنى التحتية التي لم تمض إلا سنوات قليلة على إنشائها. ولعل أبرز نتائج المستوى الضعيف للطرق في المغرب ما أشارت إليه الإحصاءات الأخيرة التي تؤكد ارتفاع عدد قتلى حوادث السير خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الجارية بقرابة 11 في المائة مقارنة مع سنة 2007 حسب اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير. وأكد مصطفى الجعفري عضو النقابة الوطنية لقطاعات الأشغال العمومية أن هذه الأمطار التي أبرزت ضعف بعض المحاور الطرقية والجسور، تأتي لإعادة النظر في الدراسات التي تسبق هذه المشاريع. من جهته أوضح أحد الأطر الذي سبق له العمل في مجال الطرقات، أن هناك العديد من الخروقات تعتري طبيعة العمل في مشاريع الطرق، فبعد فوز الشركة بإحدى المشاريع، فإن عملية المناولة تجعلها تقدم بعض المحاور المرتبط بهذا المشروع إلى شركات أخرى، مما يجعل ثمن المتر في القناطر مثلا يعرف انخفاضا، لأن الشركات التي انخرطت في المشاريع تريد هامشا من الربح، وبالتالي فإن ذلك ينعكس على الجودة. المصدر ذاته، يؤكد أن هناك رشاوي في عملية المراقبة مما يؤثر على الجودة، فبدل أن يتم اعتماد الغرافيت لمدة 16 سنة، يستعمل الأقل ثمنا وجودة، والذي تصل قدرته على التحمل ل10 سنوات، مضيفا أن هناك أخطاء على مستوى الدراسات. أكبر المتضررين تبقى نصف الساكنة القروية في المغرب غير مرتبطة بالطرق الوطنية، إذ تبلغ نسبة ولوجها بهذه الطرق ما يناهز 54 في المائة سنة 2005 وتهدف الحكومة إلى الوصول إلى نسبة 80 في المائة مع متم 2012 بعدما كان مقررا 2015 وذلك بوتيرة إنجاز تصل إلى ألفي كلم سنويا، وفق ما جاء في تقرير لوزارة المالية والاقتصاد. وحسب التقرير ذاته، ووفقا لاستطلاعان للرأي تم إنجازهما سنة 2006 فإن هناك تدهورا في مستوى خدمات الشبكة الطرقية الوطنية، وأن أسطول النقل غير منظم وغير آمن، وهو ما يبين أن اللوجيستيك في المغرب ما زالت تعتريه العديد من الاختلالات. ويرتبط النقص الملحوظ على مستوى النقل الداخلي أساسا بإشكالية النقل الطرقي للبضائع الذي لا يوفر حاليا على خدمات ذات جودة عالية وفي الآجال المطلوبة نظرا لقلة كفاءة الفاعلين بالقطاع. أما بالنسبة للنقل المتعدد الوسائط، وحسب نفس المصدر، فما فتئ يشهد تطورا مع انخفاض تدريجي لنقل البضائع بالسكك الحديدية، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة العقار من أجل تطوير البنيات اللوجيستيكية، خاصة في الدارالبيضاء، حيث لا تزال الخدمات اللوجستيكية ضعيفة ومحدودة التنوع. الطرق السيارة كان العديد من المسؤولين يرفعون شعار الطرق السيارة كلما أرادو التحدث عن المنجزات التي حققها المغرب في مجال الطرقات، ليأتي التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2007 ويشير إلى مجموعة من الاختلالات المتعلقة بحالة الطرق السيارة بالمغرب وطريقة تسييرها، ليضع الشركة الوطنية للطرق السيارة موضع الاتهام. واعتبر التقرير معالجة الشركة للانزلاق ببناء جدار للصد غير ناجح لأنه لم يعمر طويلا حيث توالت عمليات الخسف بدرجة فاقت توقعات الخبراء لتواصل بعد ذلك عمليات الملء دون جدوى التي وصلت مابين 1998 و2006 على 9 ملايين و300 ألف درهم، حيث إن الحل الجذري لهذه المعضلة يكمن في تغيير المنشأة والتي تصل تكلفتها إلى 150 مليون درهم. كما كشف التقرير تدهور السلامة على الطريق السيار حيث تم تسجيل 1818 حادثة خلال سنة 2006 أودت بحياة 90 فردا وإصابة 474 ورغم ذلك لم تضع الشركة خطة عمل من أجل تحسين معايير السلامة. كما سجل خرقا سافرا واستهتارا بحياة المواطنين بالشروع في تحصيل الأداء قبل إتمام شروط السلامة وخاصة الواقيات الجانبية والجدران وسجل كذلك عدم توفير أية محطة خدمات طوال بعض المقاطع التي يصل طولها إلى أكثر من 140 كلم. وفي تعليقه على هذه المعطيات أوضح الجعفري، أن بعض الملاحظات التي أبداها المجلس خصوصا المتعلقة بالجانب التقني ليس فيها إشكال كبير، إلا أن تدهور السلامة يبين أن تقصير في الاستغلال. واعتبر التقرير الحالة المادية للشركة بالخطيرة والتي تهدد كيانها بالإفلاس حيث أنها لن تتمكن من تسديد ديونها إلا في العام 2043 حيث وصلت المديونية عليها في آخر سنة 2006 إلى 21,8 مليار درهم ومن المتوقع حسب المجلس أن يصل الرقم إلى 24 مليار درهم في افق 2014 مقابل استثمار يصل إلى 4,33 مليار درهم فقط. إذ أن الديون الصافية على الشركة تصل إلى 291 % مقابل 17,4 % كمؤشر وفاء بالديون. من جهته، أقر كريم غلاب وزير التجهيز والنقل خلال مناقشة مشروع القانون المالي لـ2009 بمجلس النواب مؤخرا، بأن الوزارة تسهر على الجودة عن طريق رئيس الممصلحة المراقب ومكتب الدراسات والمراقب المالي والصفقة الموقعة في الرباط، وأنه في حالة سماع الوزارة لحالة غش تبعث إرسالية تفتيش.