من حق قناة الجزيرة أن تحاور من تشاء، ومن حقها في إطار عكسها للتعددية الفكرية والسياسية أن تترجم شعارها الرأي والرأي الآخر بالشكل الذي يجعلها تقدم بالفعل وجهات النظر التي تؤطر بعض القضايا خاصة منها الحساسة، وكانت رائدة في تجسيد هذا الشعار والتفوق فيه مما أكسبها احتراما ومصداقية عند مشاهديها. لكن ما لا يمكن قبوله ولا استساغته هو أن تنعطف القناة في بعض برامجها إلى التعاطي الإعلامي المنحاز لجهة ما، فالحوار الذي أجرته القناة يوم الجمعة في إطار لقاء اليوم مع محمد عبد العزيز المراكشي زعيم جبهة البوليساريو كان بكل أسف بعيدا كل البعد عن الموضوعية والقواعد المهنية التي عودتنا عليه الجزيرة في برامجها الحوارية التي تتميز بالنفس الحيوي الذي يبلغ أحيانا حد المشاكسة، وهو ما لم نجد له أي أثر في هذا الحوار، فقد كان صحفي الجزيرة يقدم الأسئلة كما لو كان المستشار الإعلامي للضيف، وهو ما يسيء للصورة المهنية لهذه القناة، إذ كان بإمكان الصحفي لو التزم المهنية أن يواجه ضيفه بأسئلة حقيقية ترتبط بموضوع الجزائر والمغرب والصحراء، وكان يمكن لو التزم الحياد أن تظهر الجزيرة في صورة القناة التي تقدم الخبر بكل موضوعية، وتسهم في تنوير الرأي العام بهذه القضية وإشكالاتها، وكان يمكنها لو ألزمت نفسها في جميع برامجها بما تشترطه على نفسها في شعاراتها أن تتجنب تحويل بعض موادها من الوجهة الإعلامية إلى الوجهة الدعائية. لا يكمن الإشكال في معالجة قضية الصحراء، ولا حتى في استضافة هذا الطرف أو ذلك، لكن المشكلة تكمن في طريقة الاشتغال على هذه القضية، وما إذا كانت القناة تلتزم بالقواعد المهنية أم تدوسها إذا اقتضى الأمر. المشكلة تكمن أساسا في قدرة القناة على تقديم رؤيا موضوعية ومتوازنة في الموضوع بما يعكس التنوع والتعددية القائمة وبما يكون في مستوى مضمون شعار الرأي والرأي الآخر. لقد درجت الجامعة العربية في جميع اجتماعاتها على إخراج قضية الصحراء من جدول أعمال اجتماعاتها حتى لا تصبح هذه القضية إحدى عناصر تعميق الأزمة في الصف العربي، وكان الحل الذي اختارته الدول العربية هو تحويل هذا الموضوع إلى الأممالمتحدة. وإذا كان الإعلام العربي لا يستطيع أن يخرج قضية ما من اهتمامه بالشكل الذي درجت عليه الدول العربية حرصا على وحدة الصف العربي، فإن الحد الأدنى المطلوب في المعالجات الإعلامية هو ألا تكون بشكل متحيز يثير حساسيات مفرطة، وهو للأسف الشكل الذي اختارته قناة الجزيرة في حوارها لضيفها محمد عبد العزيز المراكشي، وهو الأسلوب الذي لا يمكن قبوله، خاصة وإن توقيته يطرح أكثر من سؤال بخصوص القصد والخلفية، فقد بثت القناة الحوار مباشرة بعد زيارة وزير الخارجية الجزائري لقطر، ومباشرة أيضا مع نشر جريدة العرب لحوار معه بخصوص المغرب والجزائر والصحراء.