يرى المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي أن المغرب مازال يعتمد على المراقبة أكثر من اعتماده على سياسة التقويم، ومن ثم دعا إلى عقلنة هذه المصاريف؛ سواء من لدن البرلمانيين أومن جهات أخرى لمعرفة أين تذهب، فضلا عن تتبعها، وقال إن كثرة هذه الصناديق تعقد من مأمورية المراقبة، مضيفا أن المغرب لم يتحرر بعد من المقاربة الأمنية التي كانت حاضرة في عهد الحسن الثاني. ويؤكد أن هناك انعداما للشفافية في بعض هذه الحسابات، وعدم تفعيل عدد من هذه الصناديق يبين عن عجز الحكومة. ما هي أهداف الحسابات الخصوصية ودورها في إطار الميزانية العامة؟ هدف هذه الحسابات هو التخفيف من المصاريف، فهذه الحسابات لها دور إيجابي من جهة، ولكن من الناحية السياسية يحدث العكس، لأن هذه المصاريف لا تظهر في الميزانية، وليست من اختصاصات الحكومة أحيانا؛ لأنها ضمن اختصاصاتها الخارجية التي تجعل من الحكومة تتصرف فيها كما تشاء، وتوجد هذه الحسابات في جميع الاقتصاديات التي تريد التخفيف من ميزانياتها. وقد سحبت العديد من الحسابات، ولا توجد الحسابات الخاصة كثيرا، بل توجد الصناديق. نلاحظ في المشروع المالي لسنة 2009 ما يقارب 81 حسابا خصوصيا، فلماذا اللجوء إلى هذه الصناديق؛ ما دامت هناك وزارات تشرف على هذه القطاعات التي أحدثت بصددها هذه الصناديق أوالحسابات الخصوصية؟ هل هو بسبب ضعف تدخل هذه الوزارات أم هناك أسباب أخرى؟ السؤال الأساسي هو ضرورة المرور من ثقافة المراقبة إلى ثقافة التقويم، فإذا أرضنا أن نقوم حسابا ما، ونعمل تقييما لما تقوم به بعض الإدارات، ويمكن للبرلمان أوالدولة أن تقيم هذه الحسابات والمصالح والمؤسسات، هذا من ناحية التقييم، ومازلنا في المغرب نعتمد على المراقبة أكثر من اعتمادنا على سياسة التقويم، هذا الأخير يحاول أن يبرز الإنتاجية وفعالية الميزانية، والمراقبة تحاول أن تبرز الأشياء التي تعهدت بها الحكومة هل قامت بها أم لا. تكلمتم على مسألة التقييم، فهل حققت هذه الحسابات تنمية في المجال الاقتصادي والاجتماعي؟ صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (الذي تحول إلى مؤسسة عمومية) أو صندوق محمد الخامس، الأول يقوم بسياسة المشاريع الكبرى أوما يسمى بالأوراش الكبرى، ومن الناحية الاجتماعية يتكلف صندوق محمد الخامس بها، فصندوق الحسن الثاني يسهم في العديد من الاستثمارات. والحكومة تقول إنها تحارب الفقر باستعمال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فصندوق محمد الخامس يقوم بدور في هذا الميدان. ما هي القيمة المضافة لهذه الصناديق؟ القيمة المضافة لهذه الصناديق هي التخفيف، مثلا 500 مليون لصندوق التنمية القروية نعرف أنها موجهة إلى هذا الصندوق، ففي الماضي لم نكن نعلم كيفية صرف الميزانية، ويمكن متابعة صرف هذه الأموال، ويجب الإسهام في عقلنة هذه المصاريف؛ سواء من لدن البرلمانيين أومن جهات أخرى؛ لمعرفة أين تذهب المصاريف وتعمل على تتبعها. ومن هنا يتضح أن هناك ضرورة لأن يسهم البرلمانيون في تقييم هذه المصاريف، فهذه الحسابات تسهم في عقلنة الميزانية. ألا ترون أن هناك صعوبة في مراقبة 81 حسابا؟ كثرة هذه الصناديق تعقد من مأمورية المراقبة، ومن ثم يجب أن تخفض، ويجب أن تكون لدى البرلمانيين مكاتب خاصة من أجل تتبع هذه الصناديق، فغياب مجموعة من الآليات يسهم في الخلط بين الأمور. قلتم إن هذه الحسابات لها دور في عقلنة الميزانية، ولكن ما هي انعكاساتها من الناحية السوسيواقتصادية، ومدى تداخل اختصاصاتها مع قطاعات أخرى؟ يجب أن يكون هناك تنسيق بين جميع الأطراف الحكومية، وإلا سيكون هناك خلط وتداخل بين عدد من المصالح والوزارات. وكثرة هذه الصناديق لا تسمح بأخذ نظرة شاملة، وتعقد من مأمورية التنسيق بين الوزارات وهذه المصالح. لماذا لا يتم إلحاق هذه الحسابات بالوزارات المعنية بمجالها؟ الواقع أن وزارة المالية هي التي تلعب دور المنسق الأساسي، ولها دور اقتصادي، كما أن هذه الوزارة لها هيمنة على الوزارات الأخرى؛ ما عدا وزارة الداخلية، حيث تتحكم المالية في مصارف ومشاريع هذه الوزارات. تبلغ قيمة هذه الحسابات المخصصة لوزارة الداخلية ما يربو عن 40 في المائة، هل هذا يعني أن اعتماد المقاربة الأمنية يغلب على تبني مقاربة تنموية؟ المقاربة الأمنية ما زالت حاضرة، وأظن أن وزارة الداخلية ما زالت تعطى لها بعض الصلاحيات، لأنها تتكفل بـ 16 ناحية في المغرب، ولها دور اقتصادي واجتماعي. وما زلنا لم نتحرر بعد من المقاربة الأمنية التي كانت حاضرة في عهد الحسن الثاني، وهي حاضرة لحد الآن، وأن النظام الحالي يتحدث عن مفهوم جديد للسلطة. فعهد الحسن الثاني كان يخلق بعض المشاريع الاقتصادية للوصول إلى الأمن الذي كان أساسيا. يلاحظ في جدول الحسابات الخصوصية لسنة 2009 حسابات كثير غير مفعلة، ولا يخصص لها أي اعتمادات مالية، لماذا إذن إحداث صناديق دون تفعيلها؟ إحداث هذه الصناديق رهين بفعاليتها، وعدم تفعيلها يعني أن الحكومة لم تفكر بجدية بخصوص هذه الصناديق، كما تتطلب هذه الصناديق خبراء للتتبع، فإحداثها دون إحداث الهيآت التي تسيرها، فإنها تبقى دون فعالية، ومجرد نوايا الحكومة في المستقبل. ألا يمكن القول بأن إحداث صناديق دون تفعيلها مرتبط بما هو سياسي، وذلك لإرضاء بعض الأطراف؟ نعم لها دور سياسي وديماغوجي شيئا ما، فكل من تحدث عن أمر يتم إحداث صندوق له، ولكن عدم تفعيل عدد من الصناديق يبين عن عجز الحكومة، وأنه لا تتوفر على طرق لتفعيلها لتبقى مجرد ديكور. أشار المجلس الأعلى للحسابات إلى عدد من الاختلالات فيما يتعلق بهذه الصناديق، هل هذا يعني أن البعض منها يسير في غياب الشفافية، ثم ألا تطرح مسألة المراقبة البعدية والقبلية لهذه الصناديق؟ هناك انعدام للشفافية في بعض هذه الحسابات، كما أن العديد من الجهات الأجنبية يهتمون كثيرا بمجال انعدام الشفافية، والمغرب لم يعرف تحسنا في هذا المجال، هناك عدم الشفافية في تسيير الميزانية، وتفشي الرشوة، إذ إن المغرب تراجع خلال السنين الأخيرة في مؤشرات الرشوة، وهذه المظاهر تفرغ العديد من المؤسسات من فعاليتها، هناك المجلس الأعلى للحسابات، والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، إلا أنهما بدون صلاحيات، ويبقى دورهما استشاريا لا غير. أشارت تقرير وزارة المالية حولها أنها عملت على التخفيض من عدد هذه الصناديق منذ سنوات وذلك من أجل الترشيد، ما تعليقك؟ في الوقت الذي تقول فيه الوزارة إنها قللت من الصناديق، تعمل الحكومة على الزيادة منها. وأرى أنه يجب التقليل منها، وكما يقول المثل الفرنسي كلما كثرت الأشغال إلا وتعطلت الآلة ولم تعد تعمل كما يجب. في ظل الأزمة المالية العالمية، لم تفكر الحكومة في إحداث صندوق من أجل التخفيف من انعكاس الأزمة المالية العالمية على المغرب؟ ستنعكس الأزمة على المغرب من الناحية الاقتصادية، وستبرز الأزمة ما بين 3 أشهر والأشهر الستة القادمة، ويجب على الحكومة أن تقوي من الطلب الداخلي حتى يقاوم ما يمكن أن يترتب عن الأزمة الاقتصادية، لأن المغرب سوف لن يتأثر في القطاع المالي، لأننا لا نتوفر على قطاع مالي كبير، إلا أنه سيشهد تراجعا في السياحة وتحويلات المغاربة المهاجرين، والاستثمارات الخارجية، ومن ثم يجب تقوية الطلب الداخلي والاستثمارات الداخلية، وبات ضروريا مساعدة وتقوية الطبقة الفقيرة والمتوسطة لإحداث تنمية اقتصادية في المغرب، فلا يجب الرهان على الانفتاح الاقتصادي، فالشريك الأول للمغرب هو الاتحاد الأوربي الذي يعاني من أزمة مالية واقتصادية، وسيعاني هذا الاقتصاد كثيرا في المستقبل، وسيتأثر المغرب إزاء هذه التطورات. وخلال الأسبوع الماضي قال أحد مسؤولي البنك الدولي إن الدول النامية ستعاني أكثر من الدول الأخرى، فالانكماش الاقتصادي في العالم سيؤدي إلى انخفاض أسعار البترول، وهذا هو النقطة الإيجابية الوحيدة للأزمة، ولكن المغرب لا يستفيد من هذا الانخفاض بمفرده، والذي تبقى تنافسيته ضعيفة جدا.