تستوقفنا بين الحين والآخر قضية الأخطاء الطبية التي أصبح العديد من المرضى يقعون ضحايا لها، والتي يكون سببها أطباء مهنيون أومساعدون لهم، سواء بالمصحات الخاصة التي تبحث عن الربح بأي طريقة ووسيلة، أوالمستشفيات العمومية؛ نتيجة إهمال الأطباء والمسؤولين مراعاة المرضى، ويكون الأمر في غاية القسوة عندما يكون الخطأ قاتلا أومؤديا إلى عاهة مستديمة غير متوقعة. في غياب إحصائيات دقيقة عن عدد الأخطاء الطبية وعن حجم الأضرار الناجمة عنها، وعدد القضايا المطروحة لدى القضاء، فإن أشد ما يمكن أن نخشاه، أن يصير الأمر عاديا، لاسيما وأن القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية؛ والتي تصل إلى المحاكم يتحمل مسؤوليتها ماديا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وشركات التأمين، في الوقت الذي تنعدم فيه المسؤولية المباشرة للطبيب الذي تسبب في ذلك بحبسه أوحتى إقالته من عمله، عسى أن يكون عبرة لمن يتهاون بأرواح المواطنين وأجسادهم. كثيرة هي الأخطاء الطبية، التي يتسبب فيها الإهمال التقصيري، وعدم الحيطة والحذر، وعدم بذل العناية، مثل النازلة المعروضة حاليا بابتدائية الدارالبيضاء، حيث ترك الطبيب المشرف على عملية التوليد قطعة ضمادة في بطن امرأة أثناء الولادة، لكن الخاسر الأكبر هم الضحايا الذين يتم تعويضهم أحيانا بمبالغ مالية قد لا تعوض من الألم النفسي الذين يعانونه من جراء ما أصابهم من أضرار مادية بليغة. وقضية اليوم نموذج لإهمال المرفق العام الذي هو مصحة الضمان الاجتماعي، تسببت فيه مساعدة طبيب الولادة (ممرضة) التي غابت أثناء الوضع، والنتيجة تمزق عضلات اليد اليمنى للمولودة، مما ترتب عنه شلل.فمن يتحمل المسؤولية في مثل هاته الأخطاء: هل هي مسؤولية وزارة الصحة التي لا تهتم بمحاسبة المقصرين؟ أم مسؤولية العاملين في المجال الصحي الذين لا يراعون أخلاق المهنة ؟ *** فرحة لم تكتمل بفرحة أي أم تنتظر مولودها الأول؛ استقبلت سهام مولودتها الأولى، فرحة لم تكتمل للأسف بسبب تسرع ممرضة مصحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي دخلته سهام للولادة به. كانت ولادة سهام صعبة لعدة أمور: الولادة الأولى، ووزن الجنين الذي وصل إلى 5,4 كلغ. إلا أن الممرضة التي بادرت إلى توليدها لم تلجأ إلى العملية القيصرية التي تحدث في مثل هذه الأمور؛ بناء على حيثيات الحكم الذي نتوفر عليه، وإنما عمدت إلى استخراج المولودة بطريقة عادية، مما أدى إلى تمزيق بعض العضلات باليد اليمنى للجنين، وقد نتج عن هذا التمزيق إصابة البنت المولودة بشلل عام في اليد اليمنى، كما تشهد الشهادة الطبية التي سلمت للأم أثناء مغادرتها للمصحة. مأساة حقيقية قد تعيشها أي أسرة، والسبب هنا هو إهمال الطبيب المباشر الذي لم يحضر عملية الولادة، وإهمال المصحة ذاتها التي تمنح لأشخاص غير أكفاء مسؤوليات مثل هاته. الشيء الذي دفع بوالد الضحية بصفته الولي الشرعي لها، لأنها لاتزال قاصرا، إلى المطالبة من خلال مذكرة المطالب المدنية بالحكم على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمبلغ مليون درهم كتعويض عن الأضرار اللاحقة، مع إحلال شركات التأمين (شركة التأمين سند، شركة التأمين الشمال الإفريقي فيما بين القارات، شركة الأمان، شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين الافريقية) محل مؤمنها في الأداء . شلل في اليد اليمنى حاولت مصحة الضمان الاجتماعي بوجدة التهرب من مسؤوليتها عن الخطأ الذي حدث بالمصحة، إلا أن المحكمة وبعد إستبدال الخبير الذي حدد مدة العجز بالدكتور الوزاني شرف الدين رئيس قسم الولادة بمستشفى ابن سينا بالرباط؛ أكدت أن الدعوى قد أسست على أساس الخطأ المرفقي، وفيما يخص مسؤولية المتسبب في الضرر الذي أصيبت به المولودة؛ أمرت بإجراء خبرة طبية، حيث أفاد الطبيب أن الطفلة قد أصيبت بشلل الظفيرة العضدية اليمنى، وهو ناتج عن عملية الولادة الصعبة والعسيرة بسبب عسر استخراج الكتفين، وأشار إلى أنه لا توجد أي طريقة علمية أوأي تقنية طبية يمكنها أن تتوقع بدقة كاملة ومتناهية وزن الجنين أوقطر كتفيه، وبالتالي فإن عدم اللجوء إلى عملية قيصرية وقائية قبل المخاض وأثناءه مقبول و مبرر. كما نبه الطبيب أنه لتلافي حدوث عواقب للمولود الجديد ومن ضمنها شلل الضفيرة العضدية يمكن لطبيب النساء و التوليد استخدام مهارات وتقنيات خاصة كتقنية جاكوميي وأكد أن ما وقع للمولودة كان بسبب جر مبالغ فيه قصد استخراج الكتفين مما تسبب في تمزق الضفائر العصبية التي تتحكم في حركة وإحساس الطرف العلوي الأيمن وأوضح أنه رغم خضوع الطفلة لعملية جراحية في سن 4 أشهر، إلا أن هذه العملية لم تسفر عن نتيجة ملموسة، ثم لاحظ أن تحسنها جد مستبعد، لكنه غير مستحيل إذا ما واظبت وثابرت على الترويض الطبي، ثم حدد نسبة العجز الدائم الذي بقي عالقا بالطفلة في 90 في المائة. مسؤولية المصحة اتضح من تقرير الطبيب الخبير أن المصحة لم تبذل العناية اللازمة عند استقبالها للضحية، إذ لم تجر عليها الفحوصات الضرورية، و الدليل على ذلك أن الطبيب الذي يعتبر المشرف المباشر على الولادة قد صرح أن هذه الولادة تمت بدون إشراف طبي، بمعنى أن الولادة قد تمت بدون حضور أي طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد، وهو ما يعتبر في حد ذاته خطأ مرفقيا جسيما، إذ لا يعقل أن تتم عملية الولادة بدون حضور طبيب مختص.وفي حال عدم توفر المصحة على الامكانيات التقنية والبشرية الكافية لإنقاذ الضحية كان عليها أن تعمل على نقل الأم إلى مصحة أخرى تتوفر على تقنيات كافية.و بالتالي تتحمل المصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التابعة له كامل المسؤولية، وكذا الدولة المغربية في إطار الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، وقضت المحكمة الإدارية بأداء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في شخص مديره العام مبلغ مليون درهم لفائدة الضحية، كتعويض. ---------------------------- لا يجوز صمت الضحايا وعدم لجوئهم للقضاء بدعوى استعمال الأطباء و المصحات للنفوذ و سلطة المال تتلخص وقائع هذه النازلة المتعلق بالخطأ الطبي الناتج عن الإهمال واللامبالاة للمرفق العام الذي هو مصحة الضمان الاجتماعي؛ في كون المدعية تقدمت بدعوى للتعويض أمام المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 30/5/2000؛ نيابة عن ابنتها القاصرة طالبة الحكم بتعويض مسبق، وإجراء خبرة طبية على المتضررة لتحديد نسبة العجز الجزئي الدائم، وحفظ حقها في تقديم طلباتها النهائية، وبعد إثارة النيابة الشرعية وانعدام صفة المدعية؛ تقدمت بواسطة نائبها القانوني بإخراجها من الدعوى، وثم إدخال الأب بصفته الولي الشرعي للبنت القاصرة، و الذي له الصفة في هذه الدعوى بناء على مقال إصلاحي، ودون أن يحدد المدعي للإطار القانوني لدعواه، تم إدخال مجموعة من شركات التأمين وهي سند وأكسا والوطنية والإفريقية. صدر حكم تمهيدي بتاريخ 2001/7/10 بإجراء خبرة بولسطة الدكتور محمد بنعلي الذي تم استبداله بالخبير الدكتور الوزاني بمقتضى القرار الصادر عن القاضي المقرر بتاريخ 2002/3/4 الذي وضع تقريرا للخبرة بتاريخ 2002/5/.23 وبناء على مجموعة من المذكرات المتبادلة بين الأطراف اتضح للمحكمة أن الضحية بعد دخولها إلى مصحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من أجل الوضع، ازدادت لها بنت، وأشرفت على ولادتها بالمصحة المذكورة الممرضة، بصفتها مولدة بالمصحة، وبما أن الولادة كانت صعبة فإن الخطأ الطبي يتجلى في نازلة الحال في أن الجنين كان يبلغ من الوزن 5,4 كلغ، وبما أنه كان يلزم في هذه الحالة إجراء العملية القيصرية فإن المولدة المذكورة عمدت ودون أي إشراف لأي طبيب مختص بالمصحة إلى استخراج المولود بطريقة عادية إلى أن تمزقت عضلات المولودة بيدها اليمنى، مما أصابها بشكل عام (في يدها اليمنى)، حيث تشهد بذلك الشهادة الطبية التي سلمت للأم أثناء مصادرتها للمصحة، وأن الخبرة المنجزة في الملف أثبتت أن الطفلة أصيبت بشلل الظفيرة العضدية اليمنى، وهو ناتج عن الخطأ الذي ارتكبته المولدة بسبب عملية الولادة الصعبة والعسيرة؛ بسبب عسر استخراج الكتفين، وهو الأمر الذي وضع المدعي إلى أن يتقدم بتعويض نيابة عن ابنته القاصرة محدد في مبلغ 0,1000000 درهم، و أن الإهمال لعدم استخدام المصحة للتقنيات الحديثة الخاصة والمتطورة، و تركت الأمر للمولدة التي ينحصر دورها في مساعدة الأطباء، لاسيما وأن الأمر يتعلق بمصحة يفترض أن تتوفر على الإمكانيات المادية والتقنية والموارد البشرية المؤهلة للقيام بعمل هذه العمليات. وبكل هذه المعطيات؛ فإن المصحة تكون مسؤولة لعدم بذل العناية الواجبة اتجاه الأم واتجاه جنينها. وهكذا فإن الخبرة حددت نسبة العجز في نازلة الحال في 90 في المائة، حيث إن الضحية لا تستطيع القيام بأي عمل، الشيئ الذي أحدث بها ضررا ماديا بليغا، وضررا معنويا كبيرا؛ تجلى في الألم النفسي، وأن نمو الطفلة الضحية في نازلة الحالة بناء على الشلل الذي أصابها في يدها اليمنى يتطلب من والديها مجهودا ماديا ومعنويا كبيرا لرعايتها، وأن تكون طيلة حياتها محتاجة إلى شخص ثاني للقيام على شؤونها. وبعدما ثبت للمحكمة وجود علاقة التأمين؛ قضت لفائدة المدعي نيابة عن ابنته القاصر بمبلغ 00,1000000؛ يؤديه لها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في شخص مديره العام، وإحلال شركات التأمين الإفريقي، وفيما بين القارات وشركة التأمين سند، والأمان، والوطنية، والإفريقية محله. وهكذا يتبين من نازلة الحال، وبناء على عدة نوازل مشابهة قضى فيها القضاء بالتحريض، أن الخطأ الطبي في إطار المسؤولية بدأ ينتشر كثيرا في الآونة الأخيرة؛ بناء على وجود الإهمال التقصيري، وعدم الحيطة والحذر، وعدم بذل العناية، ويكثر هذا الخطأ في مجال عمليات التوليد بكثرة وبشكل مثير للدهشة، مثل النازلة المعروضة حاليا بابتدائية الدارالبيضاء، حيث ترك الطبيب المشرف على عملية التوليد قطعة ضمادة في بطن أم المدعية التي خضعت لعملية ثانية لإزالتها، ولا شك أن شركات التأمين تؤدي مبالغ باهظة للضحايا نتيجة هذه الاخطاء التي كثرت بشكل ملاحظ، لكن الخاسر الأكبر هم الضحايا الذين يتم تعويضهم أحيانا بمبالغ مالية قد لا تعوض من الألم النفسي الذين يعانون من جراء ما أصابهم من أضرار مادية بليغة. وأغرب ما في الأمر أنه يتم أحيانا الصلح مع الضحايا بمبالغ زهيدة بناء على تنازلات يتقدمون بها إلى المسؤولين عن هذا النوع من الأخطاء الطبية المنتشرة في الآونة الأخيرة بكثرة.والأغرب من ذلك هو صمت كثير من المواطنين والضحايا وعدم رفع دعاوى في الموضوع لاعتقادهم أنهم قد لا يستطيعون مواجهة بعض الأطباء و المصحات التي تشغل نفوذها و سلطة المال في كسب قضايا كان من جوهر العدالة أن يربحها الضحايا المتضررون.