أخنوش: الحكومة تراهن على تكوين جيل جديد من المهنيين للنهوض بقطاع السياحة    أخنوش: لدعم السياحة نفذت الحكومة في عز الجائحة مخططا استعجاليا بقيمة مليارَي درهم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء متباين    السياحة الداخلية تسجل 8.5 مليون ليلة مبيت في الفنادق المصنفة خلال 2024    أمواج عاتية تصل إلى 6.5 أمتار على السواحل الأطلسية بين طنجة وطرفاية الخميس المقبل    توقعات بعودة التساقطات الثلجية إلى مرتفعات الحسيمة    بعد غرق قارب.. إيقاف الملاحة البحرية بميناء العرائش    رحو يدعو إلى عقلنة استغلال المعطيات الشخصية في "السجل الاجتماعي"    بوريطة يتباحث مع الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة    مئات الآلاف من النازحين يعودون إلى شمال غزة في مشهد إنساني مؤثر    ابتدائية إيمنتانوت تتابع أفراد شبكة تهريب دولي للمخدرات يقودها رئيس جماعة سابق    الجامعة الوطنية للصحة بالمضيق-الفنيدق تصعّد ضد تردي الوضع الصحي    ناس الغيوان تلهب حماس الجمهور في حفل استثنائي في ستراسبورغ    طهاة فرنسيون مرموقون: المطبخ المغربي يحتل مكانة متميزة في مسابقة "بوكوس دور"    بما فيها "الاستبعاد المدرسي".. "الصحة" و"التعليم" تطلقان تدابير جديدة في المدارس لمواجهة انتشار الأمراض المعدية    الرباط على موعد مع الإثارة : قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 تشعل الأجواء!    بعد النتائج السلبية.. رئيس الرجاء عادل هالا يعلن استقالته من منصبه    المغرب يفاجئ الكاف بإضافة ثلاثة ملاعب لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025    مسرح البدوي يخلد الذكرى الثالثة لرحيل عميد المسرح المغربي الأستاذ عبدالقادر البدوي.    الدفاع الجديدي يطالب بصرامة تحكيمية ترتقي بالمنتوج الكروي    هروب جماعي من سجن في الكونغو    مصرع خمسة عمال جراء انفجار بأحد الانفاق بتارودانت    مشاهير مغاربة يتصدرون الترشيحات النهائية ل "العراق أواردز"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    كأس إفريقيا للأمم…تصنيف المنتخبات في القرعة    المعارضة تطالب باستدعاء التهراوي    أمطار وزخات رعدية متوقعة في عدة مناطق بالمغرب مع طقس متقلب اليوم    متى تأخر المسلمون، وتقدم غيرهم؟    المال من ريبة إلى أخرى عند بول ريكور    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 17 سنة ينهزم وديا أمام غينيا بيساو    "الكاف" يعقد اجتماع بالرباط لمناقشة عدة نقاط أبرزها "كان المغرب 2025"    البواري: إحصاء القطيع خطوة أولى لمواجهة أزمة الماشية وتحديد الخصاص    مؤثر إسباني: شغف المغاربة بكرة القدم الإسبانية يجعلني أشعر وكأنني واحد منهم    الولايات المتحدة تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 فبراير    ماذا يقع في وزارة النقل؟.. هل يواجه الوزير قيوح عناد "العفاريت والتماسيح"؟    ريدوان يهدي المنتخب المغربي أغنية جديدة بعنوان "مغربي مغربي"    نقابة التعليم العالي تدين توقيف أستاذين بجامعة محمد الخامس وتدعو إلى سحب القرار    الكرملين ينتظر إشارات من واشنطن لاجتماع محتمل بين بوتين وترامب    إضراب واعتصام أمام الادارة العامة للتكوين المهني لهذا السبب    وعود ترامب الثلاثة التي تهم المغرب    وفد عسكري مغربي يزور مؤسسات تاريخية عسكرية في إسبانيا لتعزيز التعاون    انخفاض أسعار الذهب مع ارتفاع الدولار    الصين: قدرة تخزين الطاقة الجديدة تتجاوز 70 مليون كيلووات    تراجع أسعار النفط بعد دعوة الرئيس ترامب أوبك إلى خفض الأسعار    تايلاند تصرف دعما لكبار السن بقيمة 890 مليون دولار لإنعاش الاقتصاد    بدء عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة    طلبة الطب والصيدلة يطالبون بتسريع تنزيل اتفاق التسوية    انتشال جثث 5 عمال بإقليم تارودانت    برودة القدمين المستمرة تدق ناقوس الخطر    شكاية سيدة وابنتها حول النصب والاحتيال والابتزاز ضد رئيس جماعة على طاولة وكيل الملك بابتدائية سيدي بنور    ندوة ترثي المؤرخة لطيفة الكندوز    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الكريم الخطيب: الزعيم الذي لا يشبه الزعماء
نشر في التجديد يوم 01 - 10 - 2008


ليس هناك أصعب من أن تختصر حياة العظماء في كلمات، فالمواقف الجليلة التي اتخذوها، والمحطات التاريخية التي كان لهم دور حاسم فيها، والمخاضات التي أنتجوا فيها الأفكار والآراء التي صنعت الأحداث أوعلى الأقل أثرت في مسارها، لا يمكن أن توجز في عبارات، وإنما تستدعي دراسات وبحوثا تقف على تاريخهم ومشاريعهم التحررية الدكتور عبد الكريم الخطيب من هذا النوع الوزان الذي لا يمكن أن نستوفي مقاومته وجهاده وكسبه السياسي في كلمات. لكن ذلك لا يمنع من الوقوف على عنوان كبير في حياة الرجل، عنوان يفسر كل محطات حياته، بدءا بمقاومته في صفوف الحركة الوطنية، وجهاده على رأس جيش التحرير، ونضاله السياسي في مغرب الاستقلال، ومواقفه المشرفة في مغرب الصراع على الحكم، ووقوفه إلى جانب القوى التحررية في العالم، ومساندته لقضايا الأمة، ومساندته للكفاح الفلسطيني، ودعمه للجهاد الأفغاني، ونصرته للبوسنة والهرسك. كان الخطيب في كل هذه المحطات والمواقف الداعم لقوى التحرر، والمطلق للمبادرات، الحامل لرؤية بعيدة تعترف بتعدد الروافد الثقافية في المغرب؛ العربية والأمازيغية، وتصهر المغرب ضمن بوثقته العربية الإسلامية، وتلفت الانتباه إلى العمق الإفريقي لهذا البلد. رؤية كانت حاضرة على مستوى الأفكار والرؤى، كما كانت مترجمة في شكل مواقف وممارسات، بحيث لا يمكن أن ينسى الجزائريون دور الخطيب في دعم جهادهم ضد المستعمر، ولا يمكن أن يتغافل أحد الدور الذي قام به الخطيب في دعم حركة التحرر الوطني في جنوب إفريقيا. كان الدكتور عبد الكريم الخطيب لا يتردد في تأسيس الهيئات التي تنزل مواقفه وقناعاته على واقع الأرض، فقد كان سباقا إلى تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، ولما احتل السوفيات أفغانستان كان المبادر لتأسيس الجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني، وكان ذلك دأبه حين تعرضت البوسنة والهرسك لحملات الإبادة الصربية، فأسس الجمعية المغربية لمساندة مسلمي البوسنة والهرسك، وقد لقيت مبادراته تجاوبا منقطع النظير من قبل الفاعلين السياسيين والهيئات المدنية والحركات الإسلامية، وقد حرص الخطيب على إبعاد الطابع السياسي عن هذه الهيئات لتقديره أن الصراع بين الزعامات الحزبية على تسيير هذه الهيئات سيضيع الهدف الذي من أجله أسست. كان العنوان الأكبر في مسيرة الخطيب أنه كان يؤسس ويطلق المبادرة، ثم يترك للأجيال بعده أن تشق طريقها نحو الهدف، لا يهمه في ذلك حب الرئاسة ولا جاذبية الاستمرار في المنصب، يؤسس ويمضي، ويترك للخلف بعده أن يتم الطريق. أسس جيش التحرير، ولما تحرر المغرب وحصل على استقلاله، سلم الجيش إلى ملك البلاد. كان زعيما سياسيا كبيرا، لكنه ترك القوى السياسية تمارس عملها السياسي على العناوين الكبرى التي حملتها وهي تبشر بالاستقلال، لكنه لما رأى أن المغرب ماض نحو هيمنة الحزب الوحيد، انتفض وطالب بتعددية سياسية في المغرب تحمي القوى السياسية من الحرب التي شنها الحزب الوحيد عليها، وكان له الدور الحاسم في خروج قانون الحريات العامة الذي أسس للتعددية السياسية بالمغرب. كان من المؤسسين للحركة الشعبية، وانخرط في جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، لكنه خرج منها لما استهدفت اللغة العربية في البرلمان، ولم يبال في ذلك بانفراط عقد الأغلبية، وكان له بهذا الموقف الشجاع الفضل في المصادقة على قانون تعريب التعليم. وفي الوقت الذي سكت الجميع لما أعلنت حالة الاستثناء خرج الخطيب، واعتصم بالبرلمان وأعلن عن رفضها ودعا إلى عودة الحياة السياسية إلى المغرب. لم يكن الخطيب في قضايا الوطن يجامل أحدا، ولم يكن يمنعه مانع من مصارحة الملك الحسن الثاني رحمه الله في الاختلالات التي يرتكبها نظام الحكم في المغرب، وقد أرسل مذكرة شجاعة إلى الملك سنة 1972 يحلل فيها الوضعية السياسية، ويضع الأصبع على الأعطاب الكبرى التي يعاني منها المغرب وعلى مداخل الإصلاح الأساسية والتي لم تكن سوى الديمقراطية الحقيقية وبناء دولة المؤسسات.ولما رأى الخطيب أن مذكرته لم تجد تجاوبا يذكر، وأن حاجة صانعي القرار السياسي إلى إقامة توازن سياسي كانت أكبر من الرغبة في الإصلاح السياسي الحقيقي، أعلن عن مقاطعته للعملية الانتخابية، ودام الأمر عشرين سنة، إلى أن دخل في حوارات مع حركة الإصلاح والتجديد، أثمرت انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بدخول دماء جديدة في شرايينه، والإعلان فيما بعد عن حزب العدالة والتنمية. نفس العنوان يتكرر مع الدكتور الخطيب، فقد كان الأمين العام للحزب، واشترط على قادة حركة التوحيد والإصلاح العمل في إطار ثوابت البلاد ورفض العنف، وترك لهم بعد ذلك تحديد اختيارات الحزب وتوجهاته المذهبية، وترك للجيل الجديد أن يقود السفينة في هدوء تام وبدون ضجيج.مشكلة الزعماء في المغرب أن أحزابهم وهيئاتهم بعد أن تطول مسؤوليتهم في القيادة تفكر في طريقة للتخلص منهم، لكنها لا تجد طريقا لذلك. أما منهج الدكتور عبد الكريم الخطيب فمختلف تماما، كان يرفع إلى منصب الزعامة والرئاسة دون أن يطلبها، وإذا رأى أن السير متجه إلى الغاية والهدف، وأن الجيل الجديد قادر على تحمل المسؤولية، ينسحب بهدوء دون أن يطلب منه ذلك أحد. فعل ذلك في جيش التحرير، وفي كل الجمعيات التي أسسها لدعم قضايا الأمة والحركات التحررية، وكان موقفه كبيرا حين أسلم القيادة للدكتور سعد الدين العثماني وبعده إلى الأستاذ عبد الإله بن كيران، بسلاسة دون أن يعطل دور المؤسسات بأي قرار أورأي منه، مع أن تقدير الإخوة أن رأيه محفوظ ومعتبر، لكن الرجل ما كان ليمضي عكس شعاراته. عنوان كبير يفسر مسار الرجل في عمله السياسي والنضالي، ينضاف إليه عنوان الشجاعة السياسة الذي ظل يرافقه في كل مواقفه، بدءا بانخراطه في صفوف المقاومة ودوره الكبير في جيش التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ووقوفه في مغرب الاستقلال ضد الحزب الوحيد، ورفضه لحالة الاستثناء، وكتابته لمذكرة جريئة إلى الملك الحسن الثاني يحدد له فيها مداخل الإصلاح، وإسلامه قيادة الحزب إلى مكون من مكونات الحركة الإسلامية، ووقوفه ضد وزير الداخلية السابق إدريس البصري أكثر من مرة فيما يخص ملف العلاقة بالإسلاميين، واستنكاره المؤامرات التي كانت تدبر من طرف بعض الجهات لحل الحزب، وإطلاقه لكل المبادرات لدعم قضايا الأمة. من النادر أن يجتمع هذان العنوانان في شخص واحد: الزهد في الرئاسة، والشجاعة السياسية في الموقف، فقد جرت العادة أن الذي يمتلك الشجاعة السياسية من السياسيين يؤسس لشرعية زعامته السياسية، ويحاول أن يعيش على رصيده التاريخي لتأبيد هذه الزعامة، أما الدكتور عبد الكريم الخطيب فشخص مختلف تماما، تشهد له مواقفه السياسية والنضالية بالزعامة، لكنه لا يجعلها رصيدا يعوق مهمة الأجيال في استكمال ما بناه الأولون. وتلك مزية العظماء، فهم الذين يرسمون الطريق، ويتركون للخلف أن ينسج على منوالهم، ويظلون دائما منارات بارزة في تاريخ المغرب وذاكرة كل المناضلين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.